(وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥))
يقول الحق جل جلاله : (وَقُلْ لِعِبادِي) المؤمنين : (يَقُولُوا) للمشركين الكلمة (الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ولا تخاشنوهم ، (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) ؛ يهيج بينهم الجدال والشر ، فلعل المخاشنة لهم تفضى إلى العناد وازدياد الفساد. وكان هذا بمكة ، قبل الأمر بالقتال ، ثم نسخ (١). وقيل : فى الخطاب من المؤمنين بعضهم لبعض ، أمرهم أن يقولوا ، فيما بينهم ، كلاما لينا حسنا. (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) العداوة والبغضاء ؛ (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) ؛ ظاهر العداوة.
يقولون لهم فى المخاطبة الحسنة : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) بالتوبة والإيمان ، (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) بالموت على الكفر. وهذا تفسير للكلمة التي هى أحسن ، وما بينهما اعتراض ، أي : قولوا هذه الكلمة ونحوها ، ولا تصرحوا بأنهم من أهل النار ؛ فإنه يثير الشر ، مع أن ختام أمرهم غيب. (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) ؛ موكولا إليك أمرهم ، فتجبرهم على الإيمان ، وإنما أرسلناك مبشرا ونذيرا ، فدارهم ، ومر أصحابك باحتمال الأذى منهم. روى أن المشركين أفرطوا فى إيذائهم ؛ فشكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت ، وقيل : شتم رجل عمر رضي الله عنه ، فهمّ به ، فأمره الله بالعفو.
(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وبأحوالهم ، فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء. وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبى طالب نبيا ، وأن يكون العراة الجياع أصحابه. (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) بالفضائل النفسانية ، والتفرغ من العلائق الجسمانية ، لا بكثرة الأموال والأتباع ، حتى يستبعدوا نبوة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم لقلة ماله ، وضعف أصحابه ؛ فإن سيدنا داود عليهالسلام كان مثله فى قلة ماله وأتباعه ، ثم قواه بالملك والنبوة. ولذا قال : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) ؛ وقيل : هو إشارة إلى تفضيل نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ فإنه مذكور فى الزبور ، وهو أنه خاتم الأنبياء ، وأمته خير الأمم ، وأنهم يرثون الأرض بالفتح عليهم ؛ قال تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (٢). والله تعالى أعلم.
__________________
(١) دعوى النسخ هنا ، لا برهان عليها ، ولا مجال لها ؛ فالأخلاق لا تنسخ.
(٢) الآية ١٠٥ من سورة الأنبياء.