الإشارة : الواجب فى حق الأدب أن ما كان من الكمالات ينسب إلى الله تعالى ، كائنا ما كان ، وما كان من النقائص ينسب إلى العبد ، وإن كان ، فى الإيجاد والاختراع ، كل من عند الله ، وهو بهذا الاعتبار فى غاية الحسن.
كما قال صاحب العينية رضي الله عنه :
وكلّ قبيح إن نسبت لحسنه |
|
أتتك معانى الحسن فيه تسارع |
يكمّل نقصان القبيح جماله |
|
فما ثمّ نقصان ولا ثمّ باشع |
ثم سلّى نبيه صلىاللهعليهوسلم بقوله :
(تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤))
قلت : (وَهُدىً وَرَحْمَةً) : معطوفتان على (لِتُبَيِّنَ) ، وانتصبا على المفعولية من أجله ، أي : لأجل البيان والهدى والرحمة.
يقول الحق جل جلاله : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا) رسلا (إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد ، (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) السوء ، فرأوها حسنة ، فأصروا على قبائحها ، وكذبوا الرسل ، فصبروا حتى نصروا. فاصبر كما صبروا ، حتى تنصر كما انتصروا. فكان عاقبة من اتبع الشيطان الهلاك والوقوع فى العذاب ، (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ) أي : متولى أمورهم (الْيَوْمَ) فى الدنيا ، (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فى الآخرة ، أو : فهو وليهم يوم القيامة ، على أنه حكاية حال آتية ، أي : لا ولى لهم غيره فى ذلك اليوم ، وهو عاجز عن نصر نفسه ، فكيف ينصر غيره؟ (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) : القرآن (إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ) : للناس (الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) ؛ من التوحيد ، والقدر ، وأحوال المعاد ، وأحكام الأفعال ، (وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) به ، فإنهم المنتفعون بإنزاله.
الإشارة : كل من وقف دون الوصول إلى مشاهدة الحق ، فهو مزين له فى عمله ، مستدرج به وهو لا يشعر ، وحظه يوم القيامة الندم والأسف. وفى ذلك يقول أبو المواهب (١) :
من فاته منك وصل حظّه النّدم |
|
ومن تكن همّه تسمو به الهمم |
__________________
(١) التونسى ، صاحب «قوانين حكم الإشراق».