أي : أخبر بولادتها عنده ، (ظَلَ) أي : صار (وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) : متغيرا تغير مغتم ؛ من الكآبة والحياء من الناس ، (وَهُوَ كَظِيمٌ) : ممتلئ غيظا ، (يَتَوارى) ؛ يختفى (مِنَ الْقَوْمِ) أي : من قومه ؛ حياء منهم ، (مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ) ؛ من قبح المبشر به ، متفكرا فى نفسه ، (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) أي : يتركه ، عنده على ذل وهوان ، (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) أي : يخفيه فيه ويئده ، وهى : الموءودة ، وتذكير الضمير ؛ للفظ (ما) ، (أَلا ساءَ) : بئس (ما يَحْكُمُونَ) حكمهم هذا ؛ حيث نسبوا لله تعالى البنات ، التي هى عندهم بهذا المحل.
(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) أي : صفة السوء ، وهى : الحاجة إلى الولد المنادية بالموت ، واستبقاء الذكور ؛ استظهارا بهم ، وكراهة البنات ووأدهن خشية الإملاق ، (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي : الصفة العليا ، وهو الوجوب الذاتي والغنى المطلق ، والجود الفائق ، والنزاهة عن صفات المخلوقين ، والوحدانية فى الذات والصفات والأفعال. وقال الأزهرى : المثل الأعلى ، أي : التوحيد والخلق والأمر ، ونفى كل إله سواه. ويترجم عن هذا كله بقول : «لا إله إلا الله». ه. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه ، (الْحَكِيمُ) فى صنعه ، أي : المنفرد بكمال القدرة والحكمة ، فالقدرة مظهرة للأشياء فى أوقاتها ، والحكمة تسترها برداء أسبابها وشروطها. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ينبغى لأهل التوحيد الكامل أن يتنزهوا عن شبهة الشرك فى أعمالهم وأموالهم ، فلا يشركون فيما رزقهم الله ، من الأموال ، أحدا من المخلوقين ، يجعلون لهم نصيبا فى أموالهم ، على قصد الحفظ ، أو إصلاح النتاج ، كما تفعله العامة مع الصالحين ، فإن ذلك مما يقدح فى صفاء التوحيد ؛ إذ لا فاعل سواه. وقوله تعالى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ...) الآية ، فيه ذم وتهديد لمن يكره البنات ، وينقبض من زيادتهن ؛ لأن فيه نزغة من فعل الجاهلية ، بل ينبغى إظهار البسط والبرور بهن أكثر من الذكور ، ولا شك أن النفقة عليهن أكثر ثوابا من الذكور ، وفى الحديث : «من ابتلى بهذه البنات ، فأحسن إليهنّ ، كنّ له حجابا من النّار». (١) إلى غير ذلك من أحاديث كثيرة ترغب فى الإحسان إليهن. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر حكمة إمهاله تعالى للكفار ، فقال :
(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١))
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (الزكاة ، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة) ، ومسلم فى (البر والصلة ، باب فضل الإحسان إلى البنات) عن السيدة عائشة ـ رضى الله عنها.