الخصلة الثالثة : التواضع والخضوع لله ، ولمن دعا إلى الله ، وهو سبب المحبة من الله ، ورفع الدرجات عند الله ؛ قال صلىاللهعليهوسلم : «من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه الله». وقال أيضا : «من تواضع دون قدره ، رفعه الله فوق قدره». بخلاف المتكبر ؛ فإنه ممقوت عند الله ، مطرود عن باب الله ؛ قال تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ). وفى الحديث : «لا يدخل الجنّة من فى قلبه مثقال ذرّة من خردل من كبر» (١) ، أو كما قال صلىاللهعليهوسلم ، والتكبر : بطر الحق وغمط الناس ، أي : جحد الحق ، واحتقار الناس. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر وصف المتكبرين ، ووبال تكبرهم ، فقال :
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩))
قلت : (ما ذا) ، يجوز أن يكون اسما واحدا مركبا منصوبا ب (أَنْزَلَ) ، وأن تكون (ما) : استفهامية فى موضع رفع بالابتداء ، و (ذا) : بمعنى «الذي» : خبر ، وفى أنزل ضمير محذوف ، أي : ما الذي أنزله ربكم؟ واللام فى (لِيَحْمِلُوا) : لام العاقبة والصيرورة ، أي : قالوا : هو أساطير الأولين ؛ فأوجب ذلك أن يحملوا أوزارهم وأوزار غيرهم ، وقيل : لام الأمر ، و (بِغَيْرِ عِلْمٍ) : حال من المفعول فى (يُضِلُّونَهُمْ) ، أو من الفاعل ، و (تُشَاقُّونَ) : من قرأه بالكسر ؛ فالمفعول : ضمير المتكلم ، وهو الله تعالى ، ومن قرأه بالفتح ؛ فالمفعول محذوف ، أي : تشاقون المؤمنين من أجلهم. و (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) : حال من ضمير المفعول فى : «تتوفاهم».
__________________
(١) أخرجه مسلم فى (الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه) ، من حديث ابن مسعود ـ رضى الله عنه.