الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦))
قلت : (لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) : يحتمل أن يتعلق بأنزل ، أو يكون فى موضع خبر (شَرابٌ) ، أو صفة لماء ؛ و (مَواخِرَ) : جمع ماخرة ، يقال : مخرت السفينة الماء مخرا : شقته ، وقيل : المخر : صوت جرى الفلك فى البحر من هبوب الريح. وقيل : معناه : تجيىء وتذهب بريح واحدة. و (لِتَبْتَغُوا) : عطف على (لِتَأْكُلُوا) ، و (أَنْ تَمِيدَ) : مفعول من أجله ، أي : كراهة أن تميد بكم. و (أَنْهاراً وَسُبُلاً) : مفعول بمحذوف ، أي : وخلق أو وجعل أنهارا ، وقيل : معطوف على (رَواسِيَ) ؛ لأن ألقى ، فيه معنى الجعل ، و (عَلاماتٍ) : عطف على (أَنْهاراً وَسُبُلاً) ، أو نصب على المصدر ، أي : ألقى ذلك ؛ لعلكم تعتبرون ، وعلامات دالة على وحدانيته.
يقول الحق جل جلاله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) أي : السحاب ، أو جانب السماء ، (ماءً) : مطرا (لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) تشربونه بلا واسطة ، أو بواسطة العيون والأنهار والآبار ؛ لأنه يحبس فيها ، ثم يشرب منها ، لقوله : (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) (١) ، وقوله : (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) (٢) ، (وَمِنْهُ شَجَرٌ) أي : ومنه يكون شجر ، يعنى : الشجر الذي ترعاه المواشي ، وقيل : كل ما نبت على الأرض فهو شجر ، (فِيهِ تُسِيمُونَ) : ترعون مواشيكم ، من أسام الماشية : رعاها ، وأصلها : السومة ، التي هى العلامة ؛ لأنها تؤثر بالرعي علامات.
(يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ) ، وقرأ أبو بكر بالنون ؛ على التفخيم ، (وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي : ومن بعض كل الثمرات ؛ إذ لم ينبت فى الأرض كل ما يمكن من الثمار. قال البيضاوي : ولعل تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه ؛ لأنه سيصير غذاء حيوانيا هو أشرف الأغذية ـ يعنى اللحم ـ ، ومن هذا : تقديم الزرع ، والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها. ه.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، فيستدلون على وجود الصانع وباهر قدرته ، فإن من تأمل الحبة تقع فى الأرض يابسة ، ويصل إليها نداوة تنفذ فيها ، فينشق أعلاها ، ويخرج منه ساق الشجر ، وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها ، ثم ينمو ويخرج منه الأوراق والأزهار ، والأكمام والثمار ، ويشتمل كل منها على أجسام مختلفة الأشكال والطبائع ، مع اتحاد المواد ، علم أن ذلك ليس إلا بفعل فاعل مختار ، مقدس عن منازعة الأضداد والأنداد ، ولعل وصل الآية به ؛ لذلك. قاله البيضاوي باختصار.
__________________
(١) من الآية ٢١ من سورة الزمر.
(٢) من الآية ١٨ من سورة المؤمنون.