أفترى لبيدا أراد
بقوله : من شاء أضل ، أي سمّي ضالا؟ لا لعمر الله ما عرف هذا لبيد ولا وجده في شيء
من اللغات. والمعنى في ضلّلت ، وأضللت ، ويشرح صدره للإسلام ، ويجعل صدره ضيّقا
حرجا ـ يمتنع على التأويل المطلوب بالحيلة عند من عرف اللغة.
وربما
جعلت العرب (الإضلال) في معنى الإبطال والإهلاك ، لأنه يؤدّي إلى الهلكة ، ومنه قوله تعالى : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ
أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [السجدة : ١٠] ، أي بطلنا ولحقنا بالتراب وصرنا
منه. والعرب تقول : ضلّ الماء في اللبن : إذا غلب اللبن عليه فلم يتبيّن.
وقال النابغة
الذبياني يرثي بعض الملوك :
وآب مضلّوه بعين
جليّة
|
|
وغودر بالجولان
حزم ونائل
|
أي قابروه ،
سمّاهم مضلّين لأنهم غيّبوه وأفقدوه فأبطلوه.
هذا
مذهب العرب في (القدر) ، وهو مذهب كل أمة من العجم ، وأنّ الله في السماء ، ما تركت على الجبلّة والفطرة ،
ولم تنقل عن ذلك بالمقاييس والتّلبيس.
وقد أعلمتك في
كتاب (غريب الحديث) أن فريقا منهم يقولون : لا يلزمنا اسم (القدر) من طريق اللغة ،
لأنه يتأوّل علينا أنا نقول : لا قدر ، فكيف ننسب إلى ما نجحد؟.
وأن هذا تمويه ،
وإنما نسبوا إلى (القدر) لأنهم يضيفونه إلى أنفسهم ، وغيرهم يجعله لله دون نفسه ،
ومدّعي الشيء لنفسه أولى بأن ينسب إليه ممن جعله لغيره.
وأما
الطاعنون على القرآن (بالمجاز) فإنهم زعموا أنه كذب. لأن الجدار لا يريد ، والقرية لا تسأل.
وهذا
من أشنع جهالاتهم ، وأدلّها على سوء نظرهم ، وقلة أفهامهم.
ولو كان المجاز
كذبا ، وكلّ فعل ينسب إلى غير الحيوان باطلا ـ كان أكثر كلامنا فاسدا ، لأنا نقول
: نبت البقل ، وطالت الشّجرة ، وأينعت الثمرة ، وأقام الجبل ، ورخص السّعر.
__________________