وأما قوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) [الشورى : ٥١] فالوحي الأول : ما أراه الله تعالى الأنبياء في منامهم.
والكلام من وراء الحجاب : تكليمه موسى.
والكلام بالرسالة : إرساله الروح الأمين بالرّوح من أمره إلى من يشاء من عباده.
ولا يقال لمن ألهمه الله : كلّمه الله ، لما أعلمتك من الفرق بين (الكلام) (والقول).
ولا يجوز أن يكون قوله للملائكة وإبليس ، وطول مراجعته إياه في السّجود ، والخروج من الجنة ، والنّظرة إلى يوم البعث ـ إلهاما. هذا ما لا يعقل. وإن كان ذلك تسخيرا فكيف يسخّر لشيء يمتنع منه؟.
وأما تأويلهم في قوله جل وعزّ للسّماء والأرض : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] : إنه عبارة عن تكوينه لهما. وقوله لجهنم : (هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق : ٣٠] إنه إخبار عن سعتها ـ فما يحوج إلى التّعسّف والتماس المخارج بالحيل الضعيفة؟ وما ينفع من وجود ذلك في الآية والآيتين والمعنى والمعنيين ـ وسائر ما جاء في كتاب الله عزوجل من هذا الجنس ، وفي حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ ممتنع عن مثل هذه التأويلات؟.
وما في نطق جهنم ونطق السماء والأرض من العجب؟ والله تبارك وتعالى ينطق الجلود ، والأيدي ، والأرجل ، ويسخّر الجبال والطير ، بالتّسبيح. فقال : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩)) [ص : ١٩] وقال : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ : ١٠] أي سبّحن معه. وقال : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) [الإسراء : ٤٤].
وقال في جهنم : (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) [الملك : ٨] أي تنقطع غيظا عليهم كما تقول : فلان يكاد ينقدّ غيظا عليك ، أي ينشق.
وقال : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢)) [الفرقان : ١٢].
وروي في الحديث أنها تقول : (قط قط) (١) أي حسبي.
__________________
(١) لفظ الحديث بتمامه : عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تزال جهنم تقول : هل من مزيد؟ حتى يضع ربّ العزّة فيها قدمه ، فتقول : قط قط ، وعزتك وجلالك ، ويزوي بعضها إلى