والجمل لم يشك ، ولكنه خبّر عن كثرة أسفاره ، وإتعابه جمله ، وقضى على الجمل بأنه لو كان متكلما لا شتكى ما به.
وكقول عنترة في فرسه (١) :
فازورّ من وقع القنا بلبانه |
|
وشكا إليّ بعبرة وتحمحم. |
لما كان الذي أصابه يشتكي مثله ويستعبر منه ، جعله مشتكيا مستعبرا ، وليس هناك شكوى ولا عبرة.
قالوا : ونحو هذا قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)) [ق : ٣٠] وليس يومئذ قول منه لجهنم ، ولا قول من جهنم ، وإنما هي عبارة عن سعتها.
وفي قوله : (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧)) [المعارج : ١٧] يريد : أن مصير من أدبر وتولى إليها ، فكأنها الداعية لهم ، كما قال ذو الرّمة (٢) :
دعت ميّة الأعداد واستبدلت بها |
|
خناطيل آجال من العين خذّل |
والأعداد : المياه ، لما انتقلت ميّة إليها ورغبت عن مائها ، كانت كأنها دعتها.
وكقول الآخر (٣) :
ولقد هبطت الواديين وواديا |
|
يدعو الأنيس به الغضيض الأبكم |
والغضيض الأبكم : الذّباب ، يريد : أنه يطنّ فيدل بطنينه على النبات والماء ، فكأنه دعاء منه.
وقال أبو النجم يذكر نبتا (٤) :
__________________
والرجز للمبلد بن حرملة في شرح أبيات سيبويه ١ / ٣١٧ ، وبلا نسبة في أمالي المرتضى ١ / ١٠٧ ، وشرح الأشموني ١ / ١٠٦ ، والكتاب ١ / ٣٢١ ، ولسان العرب (شكا) ، وتهذيب اللغة ١٠ / ٢٩٩ ، وتاج العروس (شكا).
(١) البيت من الكامل ، وهو في ديوان عنترة ص ١٢٦ (طبعة دار الكتب العلمية).
(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان ذي الرمة ص ١٤٥٥ ، ولسان العرب (عدد) ، (خنطل) ، وتهذيب اللغة ١ / ٨٨ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٢٥٢ ، وتاج العروس (عدد) ، (خنطل) ، وكتاب العين ١ / ٧٩ ، والبيت بلا نسبة في المخصص ٨ / ٤٢.
(٣) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (عدد) ، وتاج العروس (عدد) ، وكتاب الجيم ٣ / ١٧.
(٤) الرجز لأبي النجم في لسان العرب (عشب) ، (أسد) ، وتهذيب اللغة ١ / ٤٤١ ، ١٣ / ٤٣ ، وتاج