إليهما ، وإذا أنت ألقيتهما إليه : لم يقعا جميعا مستويين على جهة واحدة ، ولكن أحدهما يعوجّ ، ويستوي الآخر. فشبّه جهتي الطعنتين ، بجهتي هذين السهمين.
وقال الزّيادي (١) : كان زيد بن كثوة العنبريّ يقول : الناس يغلطون في لفظ هذا البيت ومعناه ، وإنما هو : كرّ كلامين على نابل. أي : نطعن طعنتين متواليتين لا نفصل بينهما ، كما تقول للرامي : ارم ارم ، فهذان كلامان لا فصل بينهما ، شبّه بهما الطعنتين في موالاته بينهما. وكان يستحسن هذا المعنى.
وأما (العير) فقد اختلفوا فيه : فكان بعضهم يجعله الوتد ، سمّاه عيرا لنتوئه مثل عير نصل السّهم ، وهو الناتئ وسطه. يريد : أن كل من ضرب خباء من أهل العمد ، فضرب له وتدا ـ رمونا بذنبه.
وقال بعضهم : هو كليب وائل ، والعير : سيّد القوم ، سمّي بذلك لأنّ العير أكبر الوحش ، ولذلك قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، لأبي سفيان : «كلّ الصّيد في جوف العير» (٢).
وقال آخر : العير جبل بالمدينة ، ومنه : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم حرّم ما بين عير إلى ثور (٣). يرد كلّ من ضرب إلى ذلك الموضع وبلغه.
وقال آخر : هو الحمار نفسه ، يريد أنفسهم يضيفون إلينا ذنوب كلّ من ساق حمارا.
ومعنى هذا كله : أنهم يلزموننا بذنوب الناس جميعا ، ويجعلوننا أولياءهم.
وقال الأصمعي : لا أدري ما معنى قول رؤبة (٤) :
يغمسن من غمسنه في الأهيغ
ثم قال بعده : يوهم أنّ ثمّ ماء.
وقال ابن الأعرابي (٥) : يقال : فلان منغمس في الأهيغين ، يراد : الأكل والنّكاح.
__________________
(١) الزيادي : هو أبو حسان الحسن بن عثمان بن حماد بن حسان بن عبد الرحمن بن يزيد الزيادي القاضي الحنفي المحدث ، المتوفى سنة ٢٧٢ ه ، من تصانيفه : «ألقاب الشعراء» ، «طبقات الشعراء» ، «كتاب الآباء والأمهات» ، «كتاب معاني عروة بن الزبير». قال ياقوت في طبقات الأدباء : مات الزيادي سنة ٢٤٢ ه. (كشف الظنون ٥ / ٢٦٨).
(٢) روي الحديث بلفظ : «كل الصيد في جوف الفرا». أخرجه الفتي في تذكرة الموضوعات ١٦٨ ، والعجلوني في كشف الخفا ٢ / ١٧٧.
(٣) رواه ابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث ٣ / ٣٢٨.
(٤) الرجز في ديوان رؤبة ص ٩٧ ، ولسان العرب (هيغ) ، وتهذيب اللغة ٦ / ٣٤٠ ، والرجز بلا نسبة في مقاييس اللغة ٦ / ٢٥.
(٥) ابن الأعرابي : هو محمد بن زياد الكوفي البغدادي المعروف بابن الأعرابي ، أبو عبد الله اللغوي ،