وروي أن عليّا رحمهالله كان يقرأ : مثال الجنة أو أمثال الجنة ، وهو بمنزلة مثل ، إلا أنه أوضح وأقرب في أفهام الناس إلى المعنى الذي تأوّلناه في مثل.
ونحوه قوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) ، ثم قال : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) [الفتح : ٢٩] أي ذلك وصفهم ، لأنه لم يضرب لهم مثلا في أوّل الكلام ، فيقول : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ) وإنما وصفهم وحلّاهم ، ثم قال : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ) أي وصفهم.
وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) ، ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) [الحج : ٧٣] ، ولم يأت بالمثل ، لأن في الكلام معناه ، كأنه قال : يا أيها الناس ، مثلكم مثل من عبد آلهة اجتمعت لأن تخلق ذبابا لم تقدر عليه ، وسلبها الذباب شيئا فلم تستنقذه منه.
ومثل هذا في القرآن وكلام العرب أشياء قد اقتصصناها في (أبواب المجاز).
وأما قوله : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠)) [الرعد : ٤٠]. فإنه لم يرد أن عليك البلاغ بعد الوفاة كما ظنّوا ، وإنما أراد : إن أريناك بعض الذي نعدهم في حياتك ، أو توفيناك قبل أن نريك ذلك ـ فليس عليك إلا أن تبلّغ ، وعلينا أن نجازي.
ومثل هذا : رجل بعثته واليا وقلت له : سر إلى بلد كذا فادعهم ، فإن استجابوا لك فأحسن فيهم السيرة ، وابسط المعدلة ، وإن عصوك فعظهم وحذّرهم عقاب المعصية ، فإن أقاموا على الغواية أعلمتني ليأتيهم النّكير. فصار إليهم فمانعوه ، ووعظهم فخالفوه ، وأقام حينا مستبطئا ما أوعدتهم به ، فقلت : إن أريناك ما وعدناهم من العقوبة أو عزلناك قبل أن نريك ذلك ـ فليس لك أن تستبطئنا ، إنما عليك التّبليغ والعظة ، وعلينا الجزاء والمكافأة.
وأما قوله : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) [النحل : ١١٢].
وقوله : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) [الأحزاب : ١٠].
وقوله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) [الأنفال : ٥].
وقوله : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)) [القلم : ١٦].
فقد ذكرنا الجواب عن ذلك في (باب المجاز) ، وكرهنا إعادته في هذا الموضع وستراه هناك كافيا ، إن شاء الله.