وإذا دخل الشهر
الحرام تقسّمتهم الرّحل ، وتوزّعتهم النّخع ، وانبسطوا في متاجرهم ، وأمنوا على
أموالهم وأنفسهم.
وإذا أهدى الرجل
منهم هديا ، أو قلّد بعيره من لحاء شجر الحرم ـ أمن كيف تصرّف وحيث سلك.
ولو ترك الناس على
جاهليتهم وتغاورهم في كل موضع وكل شهر ـ لفسدت الأرض ، وفني الناس ، وتقطّعت السّبل
، وبطلت المتاجر. ففعل الله ذلك لعلمه بما فيه من صلاح شؤونهم ، وليعلموا كما علم
ما فيه من الخير لهم ـ أنه يعلم أيضا ما في السّموات وما في الأرض من مصالح العباد
ومرافقهم ، وأنه بكل شيء عليم.
وقولهم : وأين
قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ
الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) من قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [لقمان : ٣١].
ولم يرد الله في
هذا الموضع معنى الصبر والشكر خاصة ، وإنما أراد : إن في ذلك لآيات لكل مؤمن.
والصبر والشكر أفضل ما في المؤمن من خلال الخير ، فذكره الله عزوجل في هذا الموضع بأفضل صفاته. وقال في موضع آخر : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً
لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧)) [الحجر : ٧٧]. وفي
موضع آخر : (لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٦٩] و (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل : ٦٧] و (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا
الْأَلْبابِ) [الرعد : ١٩] يعني
المؤمنين.
ومثله قوله تعالى
في قصة سبإ : (وَمَزَّقْناهُمْ
كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [سبأ : ١٩]. وهذا
كما تقول : أن في ذلك لآية لكل موحّد مصلّ ، ولكلّ فاصل تقيّ. وإنما تريد
المسلمين.
وقوله : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ
نَباتُهُ) [الحديد : ٢٠]
فإنما يريد بالكفار هاهنا : الزّرّاع ، واحدهم كافر. وإنما سمّي كافرا لأنه إذا
ألقى البذر في الأرض كفره ، أي غطّاه ، وكل شيء ، غطّيته فقد كفرته ، ومنه قيل :
تكفّر فلان في السّلاح : إذا تغطّى. ومنه قيل للّيل كافر ، لأنه يستر بظلمته كل
شيء. ومنه قول الشاعر :
يعلو طريقة
متنها متواترا
|
|
في ليلة كفر
النّجوم غمامها
|
__________________