وكل ما في القرآن من تقديم أو تأخير ، أو زيادة أو نقصان ـ فعلى مثل هذه السبيل.
فإن قال قائل : فهل يجوز لنا أن نقرأ بجميع هذه الوجوه؟.
قيل له : كل ما كان منها موافقا لمصحفنا غير خارج من رسم كتابه ـ جاز لنا أن نقرأ به. وليس لنا ذلك فيما خالفه ، لأن المتقدمين من الصحابة والتابعين ، قرؤوا بلغاتهم ، وجروا على عادتهم ، وخلّوا أنفسهم وسوم طبائعهم ، فكان ذلك جائزا لهم ، ولقوم من القرّاء بعدهم مأمونين على التنزيل ، عارفين بالتأويل ، فأما نحن معشر المتكلفين ، فقد جمعنا الله بحسن اختيار السلف لنا على مصحف هو آخر العرض ، وليس لنا أن نعدوه ، كما كان لهم أن يفسّروه ، وليس لنا أن نفسّره.
ولو جاز لنا أن نقرأه بخلاف ما ثبت في مصحفنا ، لجاز أن نكتبه على الاختلاف والزيادة والنقصان والتقديم والتأخير ، وهناك يقع ما كرهه لنا الأئمة الموفّقون ، رحمة الله عليهم.
وأما نقصان مصحف عبد الله بحذفه (أمّ الكتاب) و (المعوّذتين) ، وزيادة أبيّ بسورتي القنوت ـ فإنا لا نقول : إن عبد الله وو أبيّا أصابا وأخطأ المهاجرون والأنصار ، ولكنّ (عبد الله) ذهب فيما يرى أهل النظر إلى أن (المعوذتين) كانتا كالعوذة والرّقية وغيرها ، وكان يرى رسول الله ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يعوّذ بهما الحسن والحسين وغيرهما (١) ، كما كان يعوّذ بأعوذ بكلمات الله التّامة (٢) ، وغير ذلك ، فظنّ أنهما ليستا من القرآن ، وأقام على ظنّه ومخالفة الصحابة جميعا كما أقام على التّطبيق.
وأقام غيره على الفتيا بالمتعة ، والصّرف ورأى آخر أكل البرد وهو صائم.
ورآى آخر أكل السّحور بعد طلوع الفجر الثاني. في أشباه لهذا كثيرة.
وإلى نحو هذا ذهب أبيّ في (دعاء القنوت) ، لأنه رأى رسول الله ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يدعو به
__________________
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ١٠ ، وأبو داود في السنة باب ٢٠ ، والترمذي في الطب باب ١٨ ، وابن ماجه في الطب باب ٣٦ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٧٠.
(٢) روي الحديث بطرق وأسانيد متعددة ، أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ١٠ ، ومسلم في الذكر حديث ٥٤ ، ٥٥ ، وأبو داود في الطب باب ١٩ ، والترمذي في الدعوات باب ٤٠ ، ٩٠ ، ١١٢ ، وابن ماجه في الطب باب ٣٥ ، ٣٦ ، والدارمي في الاستئذان باب ٤٨ ، ومالك في الشعر حديث ١١ ، والاستئذان باب ٣٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٨١ ، ٢٩٠ ، ٣٧٥ ، ٣ / ٤١٩ ، ٤٤٨ ، ٤ / ٥٧ ، ٥ / ٤٣٠ ، ٦ / ٦ ، ٣٧٧ ، ٣٧٨ ، ٤٠٩.