فإن قال قائل : هذا جائز في الألفاظ المختلفة إذا كان المعنى واحدا ، فهل يجوز أيضا إذا اختلفت المعاني؟.
قيل له : الاختلاف نوعان : اختلاف تغاير ، واختلاف تضادّ. فاختلاف التّضاد لا يجوز ، ولست واجده بحمد الله في شيء من القرآن إلا في الأمر والنهي من الناسخ والمنسوخ.
(واختلاف التغاير جائز) ، وذلك مثل قوله : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥] أي بعد حين ، و (بَعْدَ أُمَّةٍ) أي بعد نسيان له ، والمعنيان جميعا وإن اختلفا صحيحان ، لأنه ذكر أمر يوسف بعد حين وبعد نسيان له ، فأنزل الله على لسان نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بالمعنيين جميعا في غرضين.
وكقوله : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) [النور : ١٥] أي تقبلونه وتقولونه ، و (تلقونه) من الولق ، وهو الكذب ، والمعنيان جميعا وإن اختلفا صحيحان ، لأنهم قبلوه وقالوه ، وهو كذب ، فأنزل الله على نبيه بالمعنيين جميعا في غرضين.
وكقوله : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) [سبأ : ١٩] على طريق الدعاء والمسألة ، و «ربّنا باعد بين أسفارنا» على جهة الخير ، والمعنيان وإن اختلفا صحيحان ، لأن أهل سبأ سألوا الله أن يفرّقهم في البلاد فقالوا : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) فلما فرقهم الله في البلاد أيادي سبأ ، وباعد بين أسفارهم ، قالوا : ربّنا باعد بين أسفارنا وأجابنا إلى ما سألنا ، فحكى الله سبحانه عنهم بالمعنيين في غرضين.
وكذلك قوله : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الإسراء : ١٠٢] و (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) لأن فرعون قال لموسى إن آياتك التي أتيت بها سحر. فقال موسى مرّة : لقد علمت ما هي سحر ولكنها بصائر ، وقال مرّة : لقد علمت أنت أيضا ما هي سحر ، وما هي إلا بصائر. فأنزل الله المعنيين جميعا.
وقوله : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) [يوسف : ٣١] وهو الطعام ، و (أعتدت لهن متكا) وهو الأترج ، ويقال : الزّماورد ، فدلت هذه القراءة على معنى ذلك الطعام ، وأنزل الله بالمعنيين جميعا.
وكذلك ننشرها و «ننشزها» [البقرة : ٢٥٩] ، لأن الإنشار : الإحياء ، والإنشاز هو : التحريك للنقل ، والحياة حركة ، فلا فرق بينهما.
وكذلك : (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) [سبأ : ٢٣] و (فرّغ) ، لأن فرّغ : خفف عنها الفزع ، وفرّغ : فرّغ عنها الفزع.