لكنت مترجما للمعنى دون اللفظ.
وكذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣)) [الفرقان : ٧٣] إن ترجمته بمثل لفظه استغلق ، وإن قلت : لم يتغافلوا أدّيت المعنى بلفظ آخر.
وقد اعترض كتاب الله بالطعن ملحدون ولغوا فيه وهجروا ، واتبعوا (ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران : ٧] بأفهام كليلة ، وأبصار عليلة ، ونظر مدخول ، فحرّفوا الكلام عن مواضعه ، وعدلوه عن سبله.
ثم قضوا عليه بالتّناقض ، والاستحالة ، واللّحن ، وفساد النّظم ، والاختلاف.
وأدلوا في ذلك بعلل ربما أمالت الضّعيف الغمر ، والحدث الغرّ ، واعترضت بالشبه في القلوب ، وقدحت بالشكوك في الصدور.
ولو كان ما نحلوا إليه على تقريرهم وتأوّلهم ـ لسبق إلى الطعن به من لم يزل رسول الله ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يحتجّ عليه بالقرآن ، ويجعله العلم لنبوّته ، والدليل على صدقه ، ويتحداه في موطن بعد موطن ، على أن يأتي بسورة من مثله. وهم الفصحاء والبلغاء ، والخطباء والشعراء ، والمخصوصون من بين جميع الأنام بالألسنة الحداد ، واللّدد ، في الخصام ، مع اللّب والنّهى ، وأصالة الرّأي. وقد وصفهم الله بذلك في غير موضع من الكتاب ، وكانوا مرّة يقولون : هو سحر ، ومرة يقولون : هو قول الكهنة ، ومرة : أساطير الأولين.
ولم يحك الله تعالى عنهم ، ولا بلغنا في شيء من الروايات ـ أنهم جدبوه من الجهة التي جدبه منها الطاعنون.
فأحببت أن أنضح عن كتاب الله ، وأرمي من ورائه بالحجج النيّرة ، والبراهين البيّنة ، وأكشف للناس ما يلبسون.
فألفت هذا الكتاب ، جامعا لتأويل مشكل القرآن ، مستنبطا ذلك من التفسير بزيادة في الشرح والإيضاح ، وحاملا ما لم أعلم فيه مقالا لإمام مطّلع ـ على لغات العرب ؛ لأري به المعاند موضع المجاز ، وطريق الإمكان ، من غير أن أحكم فيه برأي ، أو أقضي عليه بتأويل.
ولم يجز لي أن أنص بالإسناد إلى من له أصل التفسير ؛ إذ كنت لم أقتصر على وحي القوم حتى كشفته ، وعلى إيمائهم حتى أوضحته ، وردت في الألفاظ ونقصت ،