وبعضهم يجعل الإقواء رفع قافية وجرّ أخرى.
وقول أبي عبيدة أجود عندي ؛ لأن الإقواء من القوّة ، والقوّة : طاقة من الحبل ، يقال : ذهبت قوّة من الحبل ، إذا ذهبت منه طاقة ، وكذلك إذا ذهب جزء من البيت ، وهو الذي يسمى المزاحف. فقد ذهبت منه قوة ، كما ذهب قوة من الحبل ، كما قال ذلك (١) :
لما رأت ماء السلا مشروبا
فقد ذهب منه شيء ، فلو قال : (مشروبة) لكان مستويا.
وللعرب المجازات في الكلام ، ومعناها : طرق القول ومآخذه. ففيها الاستعارة : والتمثيل ، والقلب ، والتقديم ، والتأخير ، والحذف ، والتكرار ، والإخفاء ، والإظهار ، والتعريض ، والإفصاح ، والكناية ، والإيضاح ، ومخاطبة الواحد مخاطبة الجميع ، والجميع خطاب الواحد ، والواحد والجميع خطاب الاثنين ، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم ، وبلفظ العموم لمعنى الخصوص ؛ مع أشياء كثيرة ستراها في أبواب المجاز إن شاء الله تعالى.
وبكل هذه المذاهب نزل القرآن ؛ ولذلك لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقله إلى شيء من الألسنة ، كما نقل الإنجيل عن السّريانية إلى الحبشيّة والرّومية ، وترجمت التوراة والزبور ، وسائر كتب الله تعالى بالعربية ؛ لأن العجم لم تتّسع في المجاز اتّساع العرب.
ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال : ٥٨] ـ لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها ، وتصل مقطوعها ؛ وتظهر مستورها ، فتقول : إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد ، فخفت منهم خيانة ونقضا ، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم ، وآذنهم بالحرب ؛ لتكون أنت وهم في العلم بالنّقض على استواء.
وكذلك قوله تعالى : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١)) [الكهف : ١١] إن أردت أن تنقله بلفظه ، لم يفهمه المنقول إليه ، فإن قلت : أنمناهم سنين عددا ،
__________________
(١) يروى البيت بتمامه :
لمّا رأت ماء السّلى مشروبها |
|
والفرث يعصر في الإناء أرنّت |
والبيت من الكامل ، وهو لحجل بن نضلة في لسان العرب (سلا).