ونؤلّف بينها حتى يستوي البنان. ومن قدر على هذا فهو على جمع كبار العظام أقدر.
ومثل هذا رجل قلت له : أتراك تقدر على أن تؤلّف هذا الحنظل في خيط؟ فيقول لك : نعم وبين الخردل.
وأما قوله سبحانه : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) فقد كثرت فيه التفاسير : فقال سعيد بن جبير يقول : سوف أتوب ، سوف أتوب.
وقال الكلبي : يكثر الذنوب ، ويؤخّر التوبة.
وقال آخرون : يتمنّى الخطيئة.
وفيه قول آخر : على طريق الإمكان ـ إن كان الله تعالى أراده ـ وهو : أن يكون الفجور بمعنى : التكذيب بيوم القيامة ، ومن كذّب بحق فقد فجر.
وأصل الفجور : الميل ، فقيل للكاذب والمكذّب والفاسق : فاجر ؛ لأنه مال عن الحق.
وقال بعض الأعراب لعمر بن الخطاب رحمهالله ـ وكان أتاه فشكى إليه نقب إبله ودبرها واستحمله فلم يحمله ـ (١) :
أقسم بالله أبو جفص عمر |
|
ما مسّها من نقب ولا دبر |
فاغفر له اللهمّ إن كان فجر
أي : كذب.
وهذا وجه حسن ؛ لأن الفجور اعتراض بين كلامين من أسباب يوم القيامة ، أولهما : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ)؟ والآخر : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ)؟ فكأنه قال : أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه في الآخرة؟ بلى نقدر على أن نجمع ما صغر منها ونؤلف بينه.
__________________
(١) الرجز لرؤبة في شرح المفصل ٣ / ٧١ ، وليس في ديوانه ، ولا يمكن أن يكون رؤبة هو الذي قاله لعمر بن الخطاب ، ذلك أنه توفي سنة ١٤٥ ه ، ولم يعتبره أحد من التابعين فضلا عن المخضرمين ، وهو لعبد الله بن كيسبة أو لأعرابي في خزانة الأدب ٥ / ١٥٤ ، ١٥٦ ، والأعرابي في شرح التصريح ١ / ١٢١ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١١٥ ، ولسان العرب (نقب) ، (فجر) ، وتاج العروس (نقب) ، (فجر) ، وتهذيب اللغة ١١ / ٥٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ١٢٨ ، وشرح الأشموني ١ / ٥٩ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٦١ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٨٩ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٧٩ ، وأساس البلاغة (نقب) ، وديوان الأدب ٢ / ١١١ ، وكتاب العين ٨ / ٣٠٧.