ودسّاها : من دسّست ، فقلبت إحدى السيّنات ياء ، كما يقال : لبّبت ، والأصل لبّيت ، و : قصّيت أظفاري ، وأصله قصصت. ومثله كثير.
فكأنّ النّطف (١) بارتكاب الفواحش دسّ نفسه وقمعها ، ومصطنع المعروف شهر نفسه ورفعها.
وكانت أجواد العرب تنزل الرّبا وأيفاع (٢) الأرض ، لتشتهر أماكنها للمعتفين ، وتوقد النّيران في الليل للطّارقين.
وكانت اللئام تنزل الأولاج (٣) والأطراف والأهضام (٤) : لتخفى أماكنها على الطّالبين.
فأولئك أعلوا أنفسهم وزكّوها ، وهؤلاء أخفوا أنفسهم ودسوها ، قال الشاعر (٥) :
وبوّأت بيتك في معلم |
|
رحيب المباءة والمسرح |
كفيت العفاة طلاب القرى |
|
ونبح الكلاب لمستنبح |
ترى دعس آثار تلك المطيّ |
|
أخاديد كاللّقم الأفيح |
ولو كنت في نفق زائغ |
|
لكنت على الشّرك الأوضح |
ومثل هذا كثير.
في لا أقسم بيوم القيامة
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥)) [القيامة : ٣ ، ٥].
هذا ردّ من الله عليهم ، وذلك أنهم ظنوا أن الله لا ينشر الموتى ، ولا يقدر على جمع العظام البالية ، فقال : بلى ، فاعلموا أنّا نقدر على رد السّلاميات (٦) على صغرها ،
__________________
(١) النّطف : المتهم.
(٢) اليفاع : المشرف من الأرض.
(٣) الأولاج : جمع ولجة ، بالتحريك ، وهي موضع أو كهف يستتر فيه المارة من مطر أو غيره.
(٤) الأهضام : جمع هضم ، وهو ما تطامن الأرض.
(٥) الأبيات من المتقارب ، وهي في كتاب الحيوان ١ / ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، ٥ / ١٣٤ ـ ١٣٥ ، والبيت الأول بلا نسبة في تاج العروس (بوأ) ، والمعاني الكبير ص ٤٠٩ ، والبيت الثاني بلا نسبة في تاج العروس (بوأ).
(٦) السلاميات : جمع سلامى ، وهي عظام صغار على طول الإصبع أو قريب منها ، في كل يد ورجل أربع سلاميات أو ثلاث.