(يَكادُ زَيْتُها
يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ) يسرج به من شدة صفائه. وتم الكلام ثم ابتدأ فقال :
(نُورٌ عَلى نُورٍ) ، يعني نور المصباح على نور الزّجاجة والدّهن ، (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) ثم قال :
هذا المصباح (فِي بُيُوتٍ) ، يعني المساجد. وذكر أهلها فقال : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ
الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) ، يريد أن القلوب يوم القيامة تعرف أمره يقينا فتتقلّب عما
كانت عليه من الشك والكفر ، وأن الأبصار يومئذ ترى ما كانت مغطّاة عنه فتتقلّب
عمّا كانت عليه. ونحوه قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي
غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)) [ق : ٢٢].
ثم ضرب مثلا
للكافرين ، فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) ، أي كالسراب يحسبه العطشان من البعد ماء يرويه (حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ
شَيْئاً).
كذلك الكافر يحسب
ما قدّم من عمله نافعه ، حتى إذا جاءه ، أي مات ، لم يجد عمله شيئا ، لأنّ الله ، عزوجل ، قد أبطله بالكفر ومحقه ، (وَوَجَدَ اللهَ
عِنْدَهُ) ، أي عند عمله (فَوَفَّاهُ حِسابَهُ).
ثم ضرب مثلا آخر ،
فقال : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي
بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ
ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) ، يريد : أنه في حيرة من كفره كهذه الظلمات.
(وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ
اللهُ لَهُ نُوراً) في قلبه ، (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).
في سورة سبأ
(وَلَوْ تَرى إِذْ
فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ
وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ
قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا
فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)) [سبأ : ٥١ ، ٥٤].
كان الحسن ـ رضي
الله عنه ـ يجعل الفزع يوم القيامة إذا بعثوا من القبور. يقول : ولو ترى يا محمد
فزعهم حين لا فوت ، أي لا مهرب ولا ملجأ يفوتون به ويلجأون إليه. وهذا نحو قوله : (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣] ، أي
نادوا حين لا مهرب.