مهتدون ، وهو جل وعز يعلم أن رسوله المهتدي وأن مخالفه الضالّ ، وهذا كما تقول للرّجل يكذبك ويخالفك : إنّ أحدنا لكاذب. وأنت تعنيه ، فكذّبته من وجه هو أحسن من التصريح ، كذلك قال الفرّاء.
وأما قوله سبحانه : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) [يونس : ٩٤] ففيه تأويلان :
أحدهما : أن تكون المخاطبة لرسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، والمراد غيره من الشّكّاك ، لأنّ القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلهم ، وهم قد يخاطبون الرّجل بالشيء ويريدون غيره ، ولذلك يقول متمثّلهم : «إيّاك أعني واسمعي يا جارة» (١).
ومثله قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١)) [الأحزاب : ١].
الخطاب للنبي ، صلىاللهعليهوسلم ، والمراد بالوصية والعظة المؤمنون ، يدلك على ذلك أنه قال : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢)) [الأحزاب : ٢]. ولم يقل بما تعمل خبيرا.
ومثل هذه الآية قوله : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)) [الزخرف : ٤٥] ، أي سل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا ، يعني أهل الكتاب ، فالخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد المشركون.
ومثل هذا قول الكميت في مدح رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم (٢) :
إلى السّراج المنير أحمد لا |
|
يعدلني رغبة ولا رهب |
عنه إلى غيره ولو رفع النّ |
|
اس إليّ العيون وارتقبوا |
وقيل : أفرطت ، بل قصدت ولو |
|
عنّفني القائلون أو ثلبوا |
لجّ بتفضيلك اللّسان ولو |
|
أكثر فيك اللّجاج واللّجب |
أنت المصفّى المحض المهذّب في النّس |
|
بة إن نصّ قومك النّسب |
__________________
(١) انظر مجمع الأمثال ١ / ٥٠ ـ ٥١ ، وجمهرة الأمثال ص ٧.
(٢) الأبيات من المنسرح. وهي في الهاشميات ص ٥٨ ـ ٥٩ ، وأمالي المرتضى ٣ / ١٦٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣١١ ، وتفسير الطبري ١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ، والعمدة ٢ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ، ومجمع البيان ١ / ١٨٢ ، والموازنة ص ٤٠.