وعن عكرمة قال : لما كان بعد بيعة أبى بكر قعد علىّ بن أبى طالب فى بيته ، فقيل لأبى بكر : قد كره بيعتك ، فأرسل إليه ، فقال : أكرهت بيعتى؟ قال : لا والله ، قال : ما أقعدك عنى؟ قال : رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسى ألا ألبس ردائى إلا لصلاة حتى أجمعه ، قال له أبو بكر : فإنك نعم ما رأيت. وقيل : إن عمر سأل عن آية من كتاب الله ، فقيل : كانت مع فلان قتل يوم اليمامة. فقال : إنا لله ، وأمر بجمع القرآن ، فكان أول من جمعه فى المصحف.
وعن ابن بريدة قال : أول من جمع القرآن فى مصحف سالم مولى أبى حذيفة ، أقسم لا يرتدى برداء حتى يجمعه فجمعه.
ثم ائتمروا ما يسمونه ، فقال بعضهم : سموه السفر ، قال : ذلك تسمية اليهود : فكرهوه ، فقال : رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف ، فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف.
وقدم عمر فقال : من كان تلقى من رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا من القرآن فليأت به ، وكانوا يكتبون ذلك فى الصحف والألواح والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان ، وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفى بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا ، مع كون زيد كان يحفظ ، فكان يفعل ذلك مبالغة فى الاحتياط ، وقيل : إن أبا بكر قال لعمر ولزيد : اقعدا على باب المسجد ، فمن جاءكما بشاهدين على شىء من كتاب الله فاكتباه ، والمراد بالشاهدين الحفظ والكتاب وقيل : المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التى نزل بها القرآن.
وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا من مجرد الحفظ ، ولذلك قال : زيد فى آخر سورة التوبة : لم أجدها مع غيره ، أى لم أجدها مكتوبة مع غيره ، لأنه كان لاكتفى بالحفظ ، والمراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبى صلىاللهعليهوسلم عام وفاته.