ويعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه لمقتضى الحال ، لأن جهة إعجازه ليس مفردات ألفاظه ، وإلا لكانت قبل نزوله معجزة ، ولا مجرد تأليفها ، وإلا لكان كل تأليف معجزا ، ولا إعرابها وإلا لكان كل كلام معرب معجزا ، ولا مجرد أسلوبه وإلا لكان الابتداء بأسلوب الشعر معجزا. والأسلوب : الطريق ، ولكان هذيان مسيلمة معجزا ، ولأن الإعجاز يوجد دونه ، أى الأسلوب فى نحو : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا) ، (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ولا بالصرف عن معارضتهم لأن تعجبهم كان من فصاحته ، ولأن مسيلمة وابن المقفع والمعرى وغيرهم قد تعاطوها فلم يأتوا إلا بما تمجه الأسماع وتنفر منه الطباع ، ويضحك منه فى أحوال تركيبه ، وبها ، أى بتلك الأحوال ، أعجز البلغاء وأخرص الفصحاء ، فعلى إعجازه دليل إجمالى ، وهو أن العرب عجزت عنه وهو بلسانها فغيرها أحرى ، ودليل تفصيلى مقدمته التفكر فى خواصّ تركيبه ، ونتيجته العلم بأنه تنزيل من المحيط بكل شىء علما.
وقيل : إن إعجاز القرآن ذكر من وجهين :
أحدهما إعجاز متعلق بنفسه.
والثانى بصرف الناس عن معارضته.
فالأول إما أن يتعلق بفصاحته وبلاغته أو بمعناه.
أما الإعجاز المتعلق بفصاحته وبلاغته فلا يتعلق بعنصره الذى هو اللفظ والمعنى ، فإن ألفاظه ألفاظهم ، قال تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) ، (بِلِسانٍ عَرَبِيٍ)
ولا بمعانيه فإن كثيرا منها موجود فى الكتب المتقدمة ، قال تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ).
وما هو فى القرآن من المعارف الإلهية وبيان المبدأ والمعاد والإخبار بالغيب.
فإعجازه ليس براجع إلى القرآن من حيث هو قرآن ، بل لكونها حاصلة من غير سبق تعليم وتعلم ، ويكون الإخبار بالغيب إخبارا بالغيب سواء كان بهذا النظم أو بغيره ، مؤدى بالعربية أو بلغة أخرى بعبارة أو إشارة ، فإذن النظم المخصوص صورة القرآن ، واللفظ والمعنى عنصره ، وباختلاف الصور يختلف حكم الشيء واسمه لا بعنصره ، كالخاتم والقرط والسوار ، فإنه باختلاف صورها