وفى البقرة إشارة إلى سلامة غير الذين ظلموا لتصريحه بالإنزال على المتصفين بالظلم ، والإرسال أشدّ وقعا من الإنزال ، فناسب سياق ذكر النعمة فى البقرة ذلك ، وختم آية البقرة بيفسقون ، ولا يلزم منه الظلم ، والظلم يلزم منه الفسق فناسب كل لفظة منها سياقه.
وكذا فى البقرة : (فَانْفَجَرَتْ) وفى الأعراف (فَانْبَجَسَتْ) لأن الانفجار أبلغ فى كثرة الماء فناسب سياق ذكر النعم التعبير به.
قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) وفى آل عمران : (مَعْدُوداتٍ) ، لأن قائلى ذلك فرقتان من اليهود :
إحداهما قالت : إنما نعذب بالنار سبعة أيام عدد أيام الدنيا.
والأخرى قالت : إنما نعذب أربعين عدة أيام عبادة آبائهم العجل. فآية البقرة تحتمل قصد الفرقة الثانية حيث عبر بجمع الكثرة ، وآل عمران بالفرقة الأولى حيث أتى بجمع القلة. وقيل : إنه من باب التفنن.
قوله تعالى : (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) وفى آل عمران : (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) لأن الهدى فى البقرة المراد به تحويل القبلة ، وفى آل عمران المراد به الدين لتقدم قوله : (لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) ومعناه : أى دين الله الإسلام.
وقوله تعالى : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) وفى إبراهيم : (هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) لأن الأول دعا قبل مصيره بلدا عند ترك هاجر وإسماعيل به ، وهو واد فدعا بأن تصيره بلدا ، والثانى دعا به بعد عوده ، وسكنى جرهم به ومصيره بلدا فدعا بأمنه.
قوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) وفى آل عمران : (قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا) لأن الأولى خطاب للمسلمين ، والثانية خطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم ، وإلى ، ينتهى بها من كل جهة ، وعلى ، لا ينتهى بها إلا من جهة واحدة وهى العلوّ ، والقرآن يأتى المسلمين من كل جهة ، يأتى مبلغه إياهم منها ، وإنما أتى النبى صلىاللهعليهوسلم من جهة العلو خاصة فناسب قوله علينا ، ولهذا أكثر ما جاء فى جهة النبى صلىاللهعليهوسلم بعلى ، وأكثر ما جاء فى جهة الأمة بإلى.