وقال القشيري : قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الأمر فى هذه الآية مضمر ، أي : قولوا : اهدنا. والصراط المستقيم : طريق الحق ، وهو ما عليه أهل التوحيد ، أي : أرشدنا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات ، فيقع على وجه التوحيد غبار الظنون والحسابات لتكون دليلنا عليك. ثم قال : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) أي : الواصلين بك إليك ، ثم قال : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) بنسيان التوفيق والتّعامى عن رؤية التأييد ، (وَلَا الضَّالِّينَ) عن شهود سابق الاختيار ، وجريان تصاريف الأقدار. ه.
تتمات :
الأولى : هذه السورة جمعت معانى القرآن كلّها ، فكأنها نسخة مختصرة منه ، ولذلك سميت أمّ القرآن ، فالإلهيات حاصلة من قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، والدار الآخرة من قوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، والعبادات كلّها من الاعتقادات والأحكام الظاهرة التي تقتضيها الأوامر والنواهي ، من قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) والمقامات وأسرار المعاملات الباطنة ـ تخلية وتحلية ـ من قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) والأنبياء وغيرهم من قوله : (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) وذكر طوائف الكفار من قوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).
وقال الشيخ ابن أبى جمرة رضى الله عنه فى بيان تضمنها لكتاب الله : إن لفظ (الحمد) يتضمن كل ما فى كتاب الله من الحمد والشكر ؛ لأن الحمد أعمّ من الشكر ، وأتى بالعام ليدل على الصفتين. ولفظة (الله) تدل على ما فى الكتاب العزيز من أسماء الترفيع والتعظيم ؛ لأنه قيل : إنه اسم الله الأعظم ، ولفظ : (رَبِّ الْعالَمِينَ) يدل على ما فيه من أسماء الله ، سبحانه ، وعلى العوالم وعلى اختلافها وخالقها والمتصرف فيها. ولفظ : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يتضمن كل ما فى الكتاب من المغفرة والرحمة والإنعام والعفو والإفضال ، ولفظ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) يدل على ما فيه من ذكر الآخرة وما فيه من الأهوال ، ولفظ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) يتضمن ما فيه من التعبّدات وإفراده بالألوهية ، ولفظ (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يدل على ما فيه من طلب الاستعانة وذكر الاضطرار ، ولفظ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) يتضمن ما فيه من طلب الهداية إلى سبيل الخير ، ولفظ : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) يتضمن ما فيه من ذكر الخصوص والمرضىّ عنهم والمعفوّ عنهم وأهل السعادة ، ولفظ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) يتضمن ما فيه من أنواع الكفر والمخالفات ومساوئهم ومآلهم فاستحقّت أن تسمى أمّا. ه.