المارّة به ،
وقلبت السين صادا لتطابق الطاء فى الإطباق ، وقد تشمّ زايا لقرب المخرج ، و (المستقيم)
: الذي لا عوج فيه ، والمراد به طريق الحق الموصلة إلى الله.
يقول
الحق جل جلاله : معلما لعباده كيف يطلبونه ، وما ينبغى لهم أن يطلبوا ، أي : قولوا (اهدنا) أي
: أرشدنا إلى الطريق المستقيم ، الموصلة إلى حضرة النعيم ، والطريق المستقيم هو
السير على الشريعة المحمدية فى الظاهر ، والتبرّى من الحول والقوة فى الباطن ، أو
تقول : هو أن يكون ظاهرك شريعة وباطنك حقيقة ، ظاهرك عبودية وباطنك حرية ، الفرق
على ظاهرك موجود والجمع فى باطنك مشهود ، وفى الحكم : «متى جعلك فى الظاهر ممتثلا
لأمره وفى الباطن مستسلما لقهره ، فقد أعظم المنّة عليك».
فالصراط المستقيم
الذي أمرنا الحقّ بطلبه هو : الجمع بين الشريعة والحقيقة ، والمفهوم من قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ) ، ولذلك وصله به ، فكأن الحق ـ سبحانه ـ يقول : يا عبادى
احمدونى ومجدونى وأفردونى بالقصد وخصّونى بالعبادة ، وكونوا فى ظاهركم مشتغلين
بعبادتي ، وفى باطنكم مستعينين بحولي وقوتى ، أو كونوا فى ظاهركم متأدبين بخدمتي ،
وفى باطنكم مشاهدين لقدرتى وعظمة ربوبيتى.
وقال سيدنا على ـ كرّم
الله وجهه ـ : (الصراط المستقيم هنا القرآن). وقال جابر رضي الله عنه : (هو
الإسلام) يعنى الحنيفية السمحاء ، وقال سهل بن عبد الله : (هو طريق محمد صلىاللهعليهوسلم). يعنى اتباع ما جاء به. وحاصله ما تقدم من إصلاح الظاهر
بالشريعة والباطن بالحقيقة ، فهذا هو الطريق المستقيم الذي من سلكه كان من
الواصلين المقربين مع النبيين والصدّيقين.
فإن
قلت : إذا كان العبد
ذاهبا على هذا المنهاج المستقيم ، فكيف يطلب ما هو حاصل؟ فالجواب : أنه طلب
التثبيت على ما هو حاصل ، والإرشاد إلى ما هو ليس بحاصل ، فأهل مقام الإسلام
يطلبون الثبات على الإسلام ، الذي هو حاصل ، والترقي إلى مقام الإيمان الذي ليس
بحاصل ، على طريق الصوفية ، الذين يخصون العمل الظاهر بمقام الإسلام ، والعمل
الباطن بمقام الإيمان ، وأهل الإيمان يطلبون الثبات على الإيمان الذي هو حاصل ،
والترقي إلى مقام الإحسان الذي ليس بحاصل ، وأهل مقام الإحسان يطلبون الثبات على
الإحسان ، والترقي إلى مالا نهاية له من كشوفات العرفان (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).
وقال
الشيخ أبو العباس المرسى رضي الله عنه : (اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ) بالتثبيت فيما هو حاصل ، والإرشاد فيما ليس بحاصل ، ثم قال
: عموم المؤمنين يقولون : (اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ) أي : بالتثبيت فيما هو