إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

المؤلف :أحمد بن محمد بن عجيبة

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :603

تحمیل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

570/603
*

الإشارة : من شأن العبودية : الضعف والعجز ، فلا يستطيع العبد أن يقوم بالأمور التي كلف بها على العدل والتمام ، ولو حرص كل الحرص ، وجدّ كل الجد ، فلا يليق به إلا التحقق بوصفه والرجوع إلى ربه ، فيأتى بما يستطيع ولا يحرص على مالا يستطيع ، فلا يميل إلى الدعة والكسل كل الميل ، ولا يحرص على مالا طاقة له به كل الحرص ، فإن التعقيد ليس من شأن أهل التوحيد ، بل من شأنهم مساعفة الأقدار ، والسكون تحت أحكام الواحد القهار ، فلا تميلوا إلى التعمق والتشديد كل الميل ، فتتركوا أنفسكم كالمعلّقة ، أي : المسجونة ، وهذا من شأن أهل الحجاب ، يحبسون فى المقامات والأحوال ، تشغلهم حلاوة ذلك عن الله تعالى. فإذا فقدوا ذلك الحال أو المقام سلبوا وأفلسوا. وأهل الغنى بالله لا يقفون مع حال ولا مقام ، هم مع مولاهم ، وكل ما يبرز من عنصر القدرة قبلوه ، وتلونوا بلونه ، وهذا مقام التلوين بعد التمكين.

وفى إشارة أخرى : اعلم أن القدرة والحكمة كالزوجين للقلب ، يقيم عند هذه مدة ، وعند هذه أخرى ، فإذا أقام عند الحكمة كان فى مقام العبودية من جهل وغفلة وضعف وذلة ، وإذا أقام عند القدرة كان فى مقام شهود الربوبية فيكون فى علم ويقظة وقوة وعزة. ولا قدرة له على العدل بينهما ، فلا يميل إلى إحداهما كل الميل بل يسير بينهما ، ويعطى كل ذى حق حقه ، بأن يعرف فضلهما ، ويسير بكل واحد منهما. وإن تصلحوا قلوبكم وتتقوا ما يشغلكم عن ربكم ، فإن الله كان غفورا رحيما ؛ يغفر لكم ميلكم إلى إحدى الجهتين والله تعالى أعلم.

فإذا تعذر الإصلاح بين الزوجين ، وأراد الفراق ففى الله الغنى عن كل شىء ، كما أشار إلى ذلك بقوله :

(وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً (١٣٠))

يقول الحق جل جلاله : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا) أي : يفارق كل واحد منهما صاحبه ، (يُغْنِ اللهُ) كل واحد منهما عن صاحبه ، ببدل أو سلو يقوم بأمره من رزق أو غيره ، من سعة غناه وكمال قدرته ، (وَكانَ اللهُ واسِعاً) بقدرته (حَكِيماً) أي : متقنا فى أحكامه وأفعاله. ثم بيّن معنى سعته فقال : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي : كل ما استقر فيهما فهو تحت حكمه ومشيئته ، قائما بحفظه وتدبيره ، يعطى كل واحد ما يقوم بأمره ويغنيه عن غيره. والله تعالى أعلم.

الإشارة : اعلم أن الروح ما دامت مسجونه تحت قهر البشرية ، محجوبة عن شهود معانى الربوبية ، كانت فقيرة جائعة متعطشه ، تتعشق إلى الأكوان وتفتقر إليها ، وتقف معها ، فإذا فارقت البشرية وانطلقت من سجن هيكلها ،