القلوب ، ما تحققون به عبوديتكم ، ومن نتائج الأفكار ما تشاهدون به عظمة ربكم ، ويأمركم أن تقوموا بالعدل فى جميع شئونكم ، فتعطوا الشريعة حقها والطريقة حقها ، وتحفظوا أسرار الحقيقة عن غير مستحقها ، والله لا يضيع أجر المحسنين.
ثم أمر بالصلح بين الزوجين عند خوف النشوز ، فقال :
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨))
قلت : امرأة : فاعل بفعل يفسره ما بعده ، وأصل (يصّالحا) : يتصالحا ، فأدغمت ، و (صلحا) مصدر. وقرأ الكوفيون : يصلحا ؛ من الرباعي ، فتنصب صلحا على المفعول به ، أو المصدر ، و (بينهما) ظرف ، أو حال منه ، وجملة (الصلح خير) : معترضة ، وكذا : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) ، ولذلك اغتفر عدم تجانسهما.
يقول الحق جل جلاله : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) وتوقعت من زوجها (نُشُوزاً) أي : ترفعا عن صحبتها ، وتجافيا عنها ، كراهية لها ، ومنعا لحقوقها ، (أَوْ إِعْراضاً) عنها ، بأن يترك مجالستها ، ومحادثتها ، (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) أن يتصالحا (بَيْنَهُما صُلْحاً) بأن تحط له من مهرها ، أو من قسمها مع ضرتها ، أو تهب له شيئا تستميله به.
نزلت فى سعد بن الربيع ، تزوج على امرأته شابة ، وآثرها عليها. وقيل : فى رجل كبرت امرأته ، وله معها أولاد ، فأراد طلاقها ليتزوج ، فقالت له : دعنى على أولادى ، واقسم لى فى كل شهرين أو أكثر ، أو لا تقسم. فذكر ذلك للنبى صلىاللهعليهوسلم فقال له : «قد سمع الله ما تقول ، فإن شاء أجابك» ، فنزلت. وقيل : نزلت فى سودة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم ، لما كبرت ، أراد ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يفارقها ، فقالت : أمسكنى فى نسائك ولا تقسم لى ، فقد وهبت نوبتى لعائشة ، فإنى أريد أن أبعث فى نسائك.
ثم رغّب فى الصلح فقال : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) من المفارقة ، أو من سوء العشرة والخصومة ، أو خير فى نفسه ، ولا يكون إلا مع ترك بعض حق النفس من أحد الخصمين ، فلذلك ثقل على النفس فشحت به ، وإليه أشار بقوله : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) أي : جعلته حاضرا لديها لا يفارقها ، لأنها مطبوعة عليه ، فالمرأة لا تكاد تسمح للزوج من حقها ، ولا تسخو بشىء تعطيه لزوجها ، والزوج لا يكاد يصبر على إمساكها وإحسان عشرتها إذا كرهها ،