الإشارة : والذين جمعوا بين توحيد عظمة الربوبية والقيام بوظائف العبودية سندخلهم جنة المعارف ، تجرى من تحتها أنهار العلوم ، خالدين فيها أبدا ، وعدا حقا وقولا صدقا. ومن أصدق من الله قيلا؟
وهذا الوعد لا ينال بالأمانى مع البطالة والتواني ؛ وإنما ينال بالأعمال الصالحة والمقاصد الخالصة ، كما قال تعالى :
(لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣))
قلت : اسم ليس ضمير الأمر ، أي : ليس الأمر بأمانيكم.
يقول الحق جل جلاله : (لَيْسَ) هذا الوعد الذي ذكرت لأهل الإيمان ينال (بِأَمانِيِّكُمْ) أي : تمنيكم أيها المسلمون ، ولا بأمانى (أَهْلِ الْكِتابِ) ، أي : لا يكون ما تتمنون ولا ما يتمنى أهل الكتاب ، بل يحكم الله بين عباده ويجازيهم بأعمالهم. روى أن المسلمين وأهل الكتاب تفاخروا ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أولى بالله منكم ، وقال المسلمون : نحن أولى منكم ، نبينا خاتم النبيين ، وكتابنا يقضى على الكتب المتقدمة ، فنزلت. وقيل : الخطاب مع المشركين ، وهو قولهم : لا جنة ولا نار ، أو قولهم : إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لنكونن خيرا منهم وأحسن حالا.
وأمانى أهل الكتاب : قولهم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) و (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) ثم قرر ذلك فقال : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) عاجلا أو آجلا ؛ لما روى أنه لما نزلت قال أبو بكر : من ينجو مع هذا يا رسول الله ، إن كنا مجزيين بكل سوء عملناه؟ فقال له ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أما تحزن؟ أما تمرض؟ أما يصيبك اللأواء؟ (١) قال : بلى يا رسول الله ، قال : هو ذلك». فكل من عمل سوءا جوزى به ، (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) يليه ويدفع عنه ، (وَلا نَصِيراً) ينصره ويمنعه من عذاب الله.
الإشارة : لا تنال المراتب بالأمانى الكاذبة والدعاوى الفارغة ، وإنما تنال بالهمم العالية ، والمجاهدات القوية ، إنما تنال المقامات العالية بالأعمال الصالحة ، والأحوال الصافية ، وأنشدوا :
__________________
(١) اللأواء : الشدة وضيق العيش.