ثم قبّح شأن الشرك ، وشنّع قبحه ، فقال :
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١))
قلت : المريد والمارد ؛ هو الذي لا يعلق بخير ، وأصل التركيب للملابسة ، ومنه : صرح ممرّد ، وغلام أمرد ، وشجرة مردى ، أي : سقط ورقها. قاله البيضاوي. ه. وقيل : المريد : الشديد العاتي ، الخارج عن الطاعة.
يقول الحق جل جلاله : (إِنْ يَدْعُونَ) : ما يعبدون (مِنْ دُونِهِ) تعالى (إِلَّا إِناثاً) ، كاللات والعزى ومناة ، فإن ألفاظها مؤنثة عندهم ، أو لأنها جوامد لا تعقل ، فهى منفعلة لا فاعلة ، ومن حق المعبود إن يكون فاعلا غير منفعل ، أو يريد الملائكة ؛ لأنهم كانوا يعبدونها ، ويزعمون أنها بنات الله ، وما يعبدون فى الحقيقة (إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) عاصيا ، لأنه هو الذي أمرهم بها ، وأغراهم عليها ، وكان يكلمهم من أجوافها.
ثم وصفه بأوصاف توجب التنفير عنه فقال : (لَعَنَهُ اللهُ) أي : أبعده من رحمته ، (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) أي : مقطوعا فرضته لنفسى ، من قولهم : فرض له فى العطاء ، أي : قطع ، (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) عن الحق (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) الأمانى الباطلة ، كطول الحياة ، وألّا بعث ولا عقاب ، (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) أي : يشقونها لتحريم ما أحل الله ، وهى عبارة عما كانت العرب تفعل بالبحائر والسوائب ، وإشارة إلى تحريم كل ما أحل الله ، ونقص كل ما خلق الله كاملا بالفعل أو بالقوة ، (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) ، صورة ، أو صفة ، فيندرج فيه خصاء العبيد والوشم ، والتنمص ـ وهو نتف الحاجب ـ.
زاد البيضاوي : واللواط ، والمساحقه ، وعبادة الشمس والقمر ، وتغيير فطرة الله التي هى الإسلام ، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالا ولا يوجب لها من الله زلفى. وعموم اللفظ يقتضى منع الخصاء مطلقا ، لكن الفقهاء رخصوا فى خصاء البهائم للحاجة ، والجمل الأربع حكاية عما ذكره الشيطان نطقا ، أو أتاه فعلا. ه.