يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) : لا تقوموا إليها وأنتم سكارى من خمر ، أو غلبة نوم ، أو شدة غفلة ، (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) فى صلاتكم ، وتتدبروا ما تقرءون فيها ، فالصلاة من غير حضور خاوية ، وعند الخصوص باطلة ، روى أن عبد الرحمن بن عوف صنع مأدبة ، ودعا إليها نفرا من الصحابة ، حين كانت الخمر مباحة ، فأكلوا وشربوا حتى ثملوا ، وجاء وقت صلاة المغرب ، فتقدم أحدهم ليصلى بهم ، فقرأ : أعبد ما تعبدون ـ من غير نفى ـ فنزلت الآية قبل تحريم الخمر ، ثم حرمت بآية المائدة.
ولا تقربوها حالة جنابتكم فى أي حال كان ، (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) أي : فى وقت سفركم ، حيث لم تجدوا ماء ، بدليل ما يأتى ، فيتيمم ويقرب الصلاة وهو جنب ، وفيه دليل أن التيمم لا يرفع الحدث ، قيل المراد بالصلاة مواضعها ، وهى المساجد فلا يدخلها الجنب إلا مارا ، وبه قال الشافعي ـ رضى الله عنه ـ وقال أبو حنيفة : لا يجوز المرور ، إلّا إذا كان فيه الماء والطريق. وقال مالك : لا يدخل إلا بالتيمم ولا يمر به أصلا.
فلا تقربوا الصلاة وأنتم جنب (حَتَّى تَغْتَسِلُوا).
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) تخافون ضرر الماء ، أو زيادته ، أو تأخر برء ، أو منع الوصول إلى الماء ، (أَوْ عَلى سَفَرٍ) لم تجدوه فيه ، (أَوْ) كنتم فى الحضر محدثين حيث (جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) ، أو البول ، أو بغيره من الأحداث ، (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) أي : مست بشرتكم بشرتهن ، بقصد اللذة أو عند وجدانها ، وبه قال مالك. وقال الشافعي : ينقض مطلقا ، قصد أم لا ، وجد أم لا ، ولو بميتة ، وقال أبو حنيفة : إن كانت ملامسة فاحشة بحيث يحصل الانتشار نقضت ، وإلا فلا.
وقال ابن عباس والحسن البصري ومحمد بن الحسن : لا تنقض الملامسة مطلقا ، ويقاس على اللمس سائر نواقض الأسباب ، فتحصّل أن «أو» تبقى على أصلها من التقسيم ، فتكون الآية نصا فى تيمم الحاضر الصحيح ، وبه قال مالك ، ولا يعيد. وقال الشافعي : يصلى بالتيمم ويعيد ، وقال أبو حنيفة : لا يصلى حتى يجد الماء ، ومن قال : «أو» بمعنى الواو فخروج عن الأصل بلا داع.
ثم قيّد التيمم فى هذه الأحوال بفقد الماء ، فقال : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) كافيا ، أو لم تقدروا على استعماله ، (فَتَيَمَّمُوا) أي : اقصدوا (صَعِيداً طَيِّباً) أي : طاهرا ، وهو ما صعد على وجه الأرض من جنسها ؛ كتراب ، وهو الأفضل ، وثلج وخضخاض (١) وحجر ومدر ، لا شجر وحشيش ومعدن ذهب وفضة ، وما التحق بالعقاقير ، كشب ، وملح ، وكبريت ، وغاسول (٢) وشبهه ، فلا يجوز. وقال أبو حنيفة : بكل شىء من الأرض وما اتصل بها كشجر
__________________
(١) الخضخاض درب من القطران أسود رقيق تطلى به الإبل الجربى.
(٢) الغاسول : عشب ينبت فى الصحراء.