الإشارة : كل ما يبعد العبد عن حضرة ربه فهو من أكبر الكبائر ، فمن اجتنب ذلك واتقى كل ما يشغله عن الله أدخله الله مدخلا كريما ، وهو حضرة الشهود والتلذذ برؤية المعبود ، والترقي فى أسرار الحبيب الودود. قال الورتجبي : قال أبو تراب : أمر الله باجتناب الكبائر ، وهى الدعاوى الفاسدة ، والإشارات الباطلة ، وإطلاق اللفظ بغير الحقيقة. ه.
ولما قسّم الله المواريث على ما تقدم ، قال بعض النساء : ليتنا استوينا مع الرجال ، أو يكون لنا سهمان ؛ لأننا أحوج منهم ، فأنزل الله :
(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢))
يقول الحق جل جلاله : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ) من الميراث (١) (بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) ، كتضعيف الذكر على الأنثى ، فللرجال (نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) أي : مما أصابوا وأحرزوا فى القسمة ، (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) منه ، قلّ أو كثر ، فلتقنع بما قسم الله لها ، ولا تعترض على أحكام الشريعة ، ولكن (سْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) يعطكم من غير الميراث ، هكذا فسرها ابن عباس.
وقال مجاهد : قالت أم سلمة : يغزو الرجال ولا نغزو ، فليتنا رجال نغزو ، ونبلغ ما يبلغ الرجال. فنزلت. فيكون المعنى : ولا تتمنوا ما فضل الله به الرجال على النساء كالغزو وغيره ، فللرجال نصيب مما اكتسبوا من ثواب الجهاد وسائر أعمالهم ، (وللنساء نصيب مما اكتسبن) من طاعة أزواجهن وحفظ فروجهن وسائر بقية أعمالهن.
والتحقيق أنها عامة فى جميع المراتب الدينية والدنيوية لأن ذلك ذريعة إلى التحاسد والتعادي ، ومعربة عن عدم الرضا بما قسم الله له. ، وإلى التشهي لحصول الشيء له من غير طلب ، وهو مذموم ؛ لأن تمنى ما لم يقدر له ، معارضة لحكمة القدر ، وتمنى ما قدر له بكسب ، بطالة وتضييع حظ ، وتمنى ما قدر له بغير كسب ، ضياع ومحال ، قاله البيضاوي. فللرجال نصيب من أجل ما اكتسبوا من الأعمال ، وتحملوا من المشاق ، فيعطيهم الله على قدر ما اكتسبوا (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) كذلك ، فلا فائدة فى تمنى ما للناس ، ولكن (اسألوا الله من فضله) يعطكم مثله ، أو أكثر من خزائنه التي لا تنفد. (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) وهو يعلم ما يستحقه
__________________
(١) سيذكر الشيخ بعد أن الآية عامة.