إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

المؤلف :أحمد بن محمد بن عجيبة

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :603

تحمیل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

385/603
*

الإشارة : قد وضع الله للناس بيتين : أحدهما حسى ، وهو الكعبة ، والآخر معنوى ، وهو القلب ، الذي هو بيت الرب ، فما دام بيت القلب خاليا من نور الرب اشتاق إلى حج البيت الحسى ، فإذا تعمر البيت بنور ساكنه ، صار قبلة لغيره ، واستغنى عن الالتفات إلى غير نور ربه ، بل صار كعبة تطوف به الواردات والأنوار ، وتحفه المعارف والعلوم والأسرار ، ثم يصير قطب دائرة الأكوان ، وتدور عليه من كل جانب ومكان ، فكيف يشتاق هذا إلى الكعبة الحسية (١) ، وقد طافت به دائرة الوفود الكونية؟ ولله در الحلاج رضي الله عنه حيث قال :

يا لائمي لا تلمنى فى هواه فلو

عاينت منه الذي عاينت لم تلم

للنّاس حجّ ولى حجّ إلى سكنى

تهدى الأضاحى ، وأهدى مهجتى ودمى

يطوف بالبيت قوم لا بجارحة ،

بالله طافوا فأغناهم عن الحرم (٢).

فى هذا البيت آيات واضحات ، وهى إشراق شموس المعارف والأنوار ، فى فضاء سماء الأرواح والأسرار ، وسطوع أنوار قمر التوحيد فى أرض التجريد والتفريد ، وظهور أنوار نجوم العلم والحكم ، فى أفق سماء ارتفاع الهمم ، فهذا كان مقام إبراهيم ، إمام الموحدين ، فمن دخله كان آمنا من الطرد والبعاد إلى يوم الدين ، ومن كفر وجوده ؛ فإن الله غنى عن العالمين.

قال فى الحاشية فى قوله : (ومن دخله كان آمنا) ، قيل : وهكذا من دخل فى قلب ولىّ من أوليائه ، فإن قلب العارف حرم المراقبات والمشاهدات. ه. وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق.

ثم رجع الحق تعالى إلى معاتبة أهل الكتاب ، فقال :

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩))

قلت : (تبغونها) : جملة حالية من الواو ، أي : لم تصدون عن السبيل باغين لها عوجا. والعوج ـ بالكسر ـ فى الدين والقول والعمل ـ ، وبالفتح ـ فى الجدار والحائط وكل شخص قائم.

يقول الحق جل جلاله : (قُلْ) يا محمد فى عتابك لليهود : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) السمعية والعقلية الدالة على صدق نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يدعوكم إليه من الإسلام؟ (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) مطلع على سرها وجهرها ، فيجازيكم عليها ، فلا ينفعكم التحريف ولا الإسرار.

__________________

(١) الصالحون فى كل وقت يشتاقون إلى الكعبة المشرفة ، فهى قبلتهم فى الصلاة. وإليها يكون حج من استطاع منهم. وهى فى بلد ولد فيها سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكيف لا يشتاقون إليها!!.

(٢) لو أن الله أغنى أحدا عن الحرم لأغنى سيدنا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.