وهاكم بعض الأمثلة من إشارات الشيخ :
عند قوله تعالى (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (١). يقول الشيخ فى إشارة الآية : اعلم أن كثيرا من الناس يعتمدون على صحبة الأولياء ، ويطلقون عنان أنفسهم فى المعاصي والشهوات ، ويقولون : سمعنا من سيدى فلان يقول : من رآنا لا تمسه النار ، وهذا غلط وغرور ، وقد قال عليه الصلاة والسلام لابنته : «يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا اشتر نفسك من الله» وقال للذى قال : ادع الله أن أكون رفيقك فى الجنة ، فقال له «أعنى على نفسك بكثرة السجود».
وعند قوله تعالى : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) (٢).
يقول الشيخ فى إشارة الآية : كل من أقامه الحق فى وجهة ، ووجهه إليها ، فهو عامل لله فيها ، قائم بمراد الله منها ، وما اختلفت الأعمال إلا من جهة المقاصد ، وما تفاوت الناس إلا من جهة الإخلاص ، فالخلق كلهم عبيد للملك المجيد ، وما وقع الاختصاص إلا من جهة الإخلاص ، فمن كان أكثر إخلاصا لله كان أولى من غيره بالله ، وبقدر ما يقع للعبد من الصفاء يكون له من الاصطفاء ، فالصوفية والعلماء والعبّاد والزهاد وأهل الأسباب على اختلاف أنواعهم ، كلهم عاملون لله ، ليس أحد منهم بأولى من غيره بالله ، إلا من جهة الإخلاص وإفراد القلب لله. فمن ادعى الاختصاص بالله من غير هذه الوجهة فهو كاذب ، ومن اعتمد على عمل غيره فهو مغرور ، يقال له : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).
وقد جاءت إشارات الإمام ابن عجيبة جامعة لدرر من المنظوم والمنثور ، فقد ضمنها الشيخ أقوال مجموعة كبيرة من كبار الصوفية ، كأبى يزيد البسطامي ، والجنيد ، والقشيري ، والشاذلى ، وأبى العباس المرسى ، وابن عطاء السكندرى ، وزروق ، والدرقاوى ، والبوزيدى ، وغيرهم. كما أنه ذكر كثيرا من أشعارهم ، كشعر ابن الفارض والجيلي والششترى ، ونقل حكما كثيرة من حكم ابن عطاء السكندرى وغيره ، كما نقل فى مواضع عديدة عن لطائف الإشارات للقشيرى ، وعرائس البيان للشيرازى ، وإحياء علوم الدين للغزالى ، وغيث المواهب العلية لابن عباد ، وبالتالى فقد حفل هذا التفسير بتراث جم من الفكر الصوفي.
__________________
(١) الآية ٨ من سورة البقرة.
(٢) الآية ١٣٩ من سورة البقرة.