يستند الصوفية فى ذكرهم لهذا الإشارات إلى الحديث النبوي الشريف : «لكل آية ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع».
وتعددت أقوال العلماء فى معنى الظاهر والباطن (١) وكلها لا تشير إلى أن للقرآن حقيقتين ، إحداهما ظاهرة ، والأخرى باطنة ، بل تعنى أن القرآن له حقيقة واحدة ، ولكن هذه الحقيقة تتنوع وتختلف بالنسبة للناس. فالناس طبقات ؛ منهم الكافر الذي لا يزيده القرآن إلا خسارا ، ومنهم المنافق الذي لا يزداد إلا مرضا ، ومنهم المسلم الذي يواجه القرآن الفهم بسيط ، ومنهم المؤمن الذي يقرأه بفكر دقيق ووعى عميق ، ومنهم المحسن الذي يعبد الله كأنه يراه ، فيقرأ القرآن كأنه يسمعه من ربه. وهناك من يقف عند ظاهر اللفظ ، وهناك من يطلعه الله على ما تضمنه هذا الظاهر من أسرار وإشارات.
ولقد كان باطن اللفظ القرآنى المخزون فى ظاهر اللفظ شيئا معروفا لدى الصحابة ، فى زمن الرسول ، صلىاللهعليهوسلم ، ومن ذلك : قصة سيدنا عمر بن الخطاب ، مع سيدنا عبد الله بن عباس وجلة الصحابة ـ رضى الله عنهم أجمعين ـ فى سؤاله لهم تفسير سورة النصر ، وفهم ابن عباس أن ذلك فيه إشارة إلى نعى الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم (٢). الفرق بين مذهب الباطنية ومذهب الصوفية :
فرق كبير جدا بين مذهب السادة الصوفية الراشدين ، فى فهم إشارات القرآن ، وبين ما يقول الباطنية ، فالباطنية ومن والاهم يجعلون المراد من النص ليس لفظه الظاهر بمعناه القريب ، ولكنهم يعتقدون أن المراد بالذات من النص إنما هو الإشارة التي ينطوى عليها النص ، وبذلك تأولوا القرآن ، واستخرجوا لأنفسهم أحكاما وعقائد ليست من الإسلام فى شىء على الإطلاق.
أما (السادة الصوفية فهم يعتقدون أن النص على ظاهره مرادا به حقيقته الظاهرة ، ولا يحيلون كلام الله تعالى عن وجهه المجمع عليه من الأمة ، ولكنهم يرون أن الله يفتح على بعض خواصه بأسرار ودقائق ، تزيد على المفهوم العام من النص ، ولا تتعارض معه ، بل هى تؤيده ، وتعتبر إضافة من شرائف المعاني التي تزيد من شرف الظاهر ، فهى فتوحات ، لا تبطل شيئا من الأمر والنهى ، ولكنها تضفى عليه زينة وجمالا) (٣).
ولنستمع إلى صوت حجة الإسلام الغزالي فى هذا الشأن إذ يقول : (فالنقل والسماع لا بد منه فى ظاهر التفسير أولا ، ليتقى به مواضع الغلط ، ثم بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط ... ولا يجوز التهاون بحفظ الظاهر أولا ، ولا مطمع فى الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر ، ومن ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم التفسير الظاهر فهو كمن يدعى البلوغ إلى صدر البيت قبل مجاوزة الباب ..) (٤).
__________________
(١) انظر فى بيان معانى الظاهر والباطن (تفسير الآلوسى ١ / ٧ ، التفسير والمفسرون للدكتور الذهبي ٢ / ٢٤٠)
(٢) أخرج القصة البخاري فى (التفسير ، سورة وإذا جاء نصر الله والفتح).
(٣) مجلة المسلم عدد ربيع الأول عام ١٣٩٥ ه. مقال «معالم التفسير الصوفي» للإمام الرائد محمد زكى إبراهيم.
(٤) إحياء علوم الدين ١ / ٣٤٣.