على وجه الكمال والإحسان ، (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما كلفتم به من الحقوق ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ) لا يخفى عليه شىء من أموركم ؛ فإنه (بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
الإشارة : اعلم أن تربية الولاية فى قلب المريد ، على نمط تربية الطفل الصغير ، تنبت فى قلب المريد وقت عقد الصحبة بينهما ، ثم لا تزال تنمو ، أو الشيخ يرضعه بلبن الإمداد حتى يتم أوان رضاعه ، ولذلك قالوا : الثدي الميتة لا ترضع. ه. يشيرون إلى أن الشيخ الميت لا يربى ، فلا يزال الشيخ يربى الروح ، ويمدها حتى تدخل بلد الإحسان ، وتشتعل فكرتها. وهذا تمام الحولين فى حقها ، وهو أوان كمال الحقيقة والشريعة لمن أراد إتمامها ، فتأكل الروح حينئذ من كل شىء ، وتشرب من كل شىء ، وتستمد من الأشياء كلها ، ثم لا يزال يحاذيها بهمته حتى ترشد ، فيطلق لها التصرف ، فتصلح لتربية غيرها.
وعلى الشيخ رزق المريدين من قوت القلوب وكسوتهم ، تقيهم من إصابة الذنوب والعيوب ، إلا ما سبق به القضاء فى علم الغيوب ، فليس فى طوق أحد دفعه ، لا تكلف نفس إلا وسعها ، فإذا مات الشيخ ، ووصّى بمن يرث مقامه ، فعلى الوارث مثل ذلك ، فإن أراد المريد انفصالا عن الشيخ ، وتعمير بلد ، أو تذكير عباد الله ، عن تراض منهما وتشاور من الشيخ ، فلا جناح عليهما ، وإن أردتم ، أيها الشيوخ ، أن تسترضعوا أولادكم بإرسال من يذكّرهم ، ويمدهم ، نائبا عنكم ، فلا جناح عليكم إذا سلمتم لهم من الإمداد ما يمدهم به ، واتقوا الله فى شأن المريدين ، فى جبر كسرهم ، وقبول عذرهم ، واعلموا أن الله بما تعملون بصير.
ثم ذكر الحق تعالى عدّة الوفاة ، فقال :
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤) وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥))