وفى تفسيره مواقف
تبرز عقيدته السنية ، ومن ذلك رده القوى على الفرق المخالفة ، ودحض آرائهم ، كلما
عرضت مسألة من المسائل الخلافية ، وإبراز رأى أهل السنة فيها.
وقد خص رضى الله
عنه إحدى رسائله ببيان ما يدين به ، وهى (رسالة العقائد) ، ومن أقواله فى هذه
الرسالة لأحد مريديه : (عليك أن تعتقد أن الله موجود قبل الأكوان ، قديم لا أول له
، أزلى لا بداية له ، مستمر الوجود لا آخر له ، أبدى لا نهاية له .. وأنه ليس بجسم
مصور ، ولا جوهر محدود مقدر ، وأنه لا يماثل الأجسام ، لا فى التقدير ولا فى قبول
الانقسام ، وأنه ليس بجوهر ، ولا تحله الجواهر ، ولا بعرض ، ولا تحله الأعراض ، بل
لا يماثل موجودا ، ولا يماثله موجود ، وليس كمثله شىء ، ولا هو مثل شىء ، وأنه لا
يحده المقدار ولا تحويه الأنظار ، ولا تحيط به الجهات. هو أقرب إلى العبد من حبل
الوريد ، وهو على كل شىء شهيد ، لا يماثل قربه قرب الأجسام ، كما لا تماثل ذاته
ذوات الأجسام ، وأنه لا يحل فيه شىء ، ولا يحل فيه شىء ، تعالى عن أن يحويه مكان ،
كما تقدس عن أن يحده زمان ..) وفى قضية الاستواء على العرش يقول : (عليك أن تعتقد أن
الله مستو على العرش ، على الوجه الذي قاله ، وبالمعنى الذي أراده ، استواء منزها
عن المماسة والاستقرار ، والتمكن والحلول والاشتغال ، لا يحمله العرش بل العرش ،
وحملته محمولون بلطائف قدرته ، ومقهورون فى قبضته ، وهو فوق العرش وفوق كل شىء) .
تصوفه
بعد أن نال الشيخ
ابن عجيبة الحظ الأوفر ، والنصيب الأكبر من علوم عصره ؛ العقلية والنقلية ، وحصّل
منها ما جعله حائزا لرئاسة العلم فى بلاده ، حبب إليه سلوك طريق التصوف ، وواكب فى
هذا الوقت ظهور حركة الشيخ العربي الدرقاوى ، مجدد الطريق الشاذلى فى الألف الثاني
، ووجد الشيخ ابن عجيبة فى الدرقاوى شيخا استجمع آداب الرائد المربى ، فاتصل
بالشيخ محمد البوزيدى الغمارى ، التلميذ للشيخ الدرقاوى ، وأخذ عنه الطريقة
الدرقاوية الشاذلية. وقد عقد شيخنا رضى الله عنه فصلا كاملا فى فهرسته ، سجل فيه تجربته الفريدة فى تصوفه ومجاهداته ، وهى
مجاهدات لا يطيقها إلا الصادقون المخلصون ، وسرعان ما أثمرت مجاهداته المخلصة.
وفاضت بحار علومه ، وأشرقت فى صدره أنوار العرفان ، ووقع له الفتح الكبير ، والمدد
الصافي الغزير.
وأعطى شيخنا مرتبة
الإمامة والاقتداء ، والتربية ، والتكميل ، وكان له فى ذلك باع طويل. يقول عنه
الشيخ الكوهن : (كان نظره إكسيرا ، إذا أتاه أو التقى معه من يعرفه ، يرقيه فى
ميدان حسنات الأبرار سيئات المقربين ، حتى كثرت على يديه الأتباع والمريدون ، وحصل
لهم تنوير الباطن ، ونالوا مقامات العارفين) . ويقول عنه العسكري : (كان حجة الطائفة الدرقاوية مبينا
لأحكامها ، وناشرا لأعلامها ، سبر على علومها حتى صار ينبوعا لشموسها ، وأقمارها
ونجومها) .
__________________