لَكُمْ) من النسل ، فلا تباشروهن لمجرد قضاء الشهوة ، بل اطلبوا ما قدّر الله لكم ، وأثبته فى اللوح المحفوظ من الولد ، لأنه هو المقصود من تشريع النكاح ، وخلق الشهوة ، لا مجرد قضاء الوطر. وفى الحديث : «إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم بثّه فى صدور الرجال ، وولد صالح يدعو له».
وفى حديث طويل عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ فى قصة الحولاء ـ امرأة من الأنصار ـ ، قال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما من امرأة حملت من زوجها حين تحمل ، إلا لها من الأجر مثل القائم ليله الصائم نهاره ، والغازي فى سبيل الله ، وما من امرأة يأتيها الطلق ، إلا كان لها بكل طلقة عتق نسمة ، وبكل رضعة عتق رقبة ، فإذا فطمت ولدها ناداها مناد من السماء : قد كفيت العمل فيما مضى ، فاستأنفى العمل فيما بقي. قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : قد أعطى النساء خيرا كثيرا ، فما لكم يا معشر الرجال؟. فضحك النبي صلىاللهعليهوسلم ثم قال : ما من رجل مؤمن أخذ بيد امرأته يراودها ، إلا كتب الله له حسنة ، وإن عانقها فعشر حسنات ، وإن ضاجعها فعشرون حسنة ، وإن أتاها كان خيرا من الدنيا وما فيها ، فإذا قام ليغتسل لم يمر الماء على شعرة من جسده إلا محى عنه سيئة ، ويعطى له درجة ، وما يعطى بغسله خير من الدنيا وما فيها ، وإن الله تعالى يباهى الملائكة فيقول : انظروا إلى عبدى ؛ قام فى ليلة قرّة يغتسل من الجنابة ، يتيقن بأنى ربه ، اشهدوا أنى قد غفرت له» (١). ه. من الثعلبي.
ثم أباح الحق تعالى الأكل والشرب ، ليلة الصيام إلى الفجر ، فقال : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) شبّه أول ما يبدو من الفجر المعترض فى الأفق ، بالخيط الأبيض ، وما يمتد معه من غبش الليل ، بالخيط الأسود.
ولم ينزل قوله تعالى : (مِنَ الْفَجْرِ) إلا بعد مدة ، فحمله بعض الصحابة على ظاهره ، فعمد إلى خيط أبيض وخيط أسود فجعلهما تحت وسادته ، فجعل يأكل وينظر إليهما ، فلم يتبيّنا ، ومنهم عدىّ بن حاتم ، قال : فغدوت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرته فضحك ، وقال : «إنك لعريض القفا ، إنّما ذلك بياض النّهار وسواد الليل» ، والحديث ثابت فى البخاري وغيره. واعترضه الزمخشري بأن فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وذلك لا يجوز ، لما فيه من التكليف بما لا يطاق.
__________________
(١) الحديث موضوع ، ذكره ابن الجوزي فى الموضوعات وابن عراق فى تنزيه الشريعة. وقال الحافظ ابن حجر فى الإصابة : سند هذا الحديث واه جدا. وقال الدار قطنى : هذا حديث باطل ، وقال : ذهب عبد الرحمن بن مهدى وأبو داود إلى زياد بن ميمون ـ أحد رجال سند هذا الحديث ـ فأنكرا عليه هذا الحديث ، فقال : اشهدوا أنى قد رجعت عنه.