يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فرض عليكم (الصِّيامُ) كما فرض (عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من الأنبياء وأممهم من لدن آدم ، فلكم فيهم أسوة ، فلا يشق عليكم (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) المعاصي ، فإن الصوم يكسر الشهوة. ولذلك قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم ، فإنّه له وجاء».
وذلك الصيام إنما هو فى أيام قلائل (مَعْدُوداتٍ) ، فلا يهولكم أمره ، (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) يشق عليه الصيام ، (أَوْ عَلى سَفَرٍ) فأفطر فعليه صيام عدة ما أفطر (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) بعد تمام الشهر ، (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) بلا مشقة ، إن أرادوا أن يفطروا (فِدْيَةٌ) وهى : (طَعامُ مِسْكِينٍ) : مدّ لكل يوم. وفى قراءة (فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) أي : وهى طعام مسكين لكل يوم. وقيل : نصف صاع. (فَمَنْ تَطَوَّعَ) بزيادة المد ، أو أطعم مسكينين عن يوم ، (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) وأعظم أجرا ، (وَأَنْ تَصُومُوا) أيها المطيقون للصيام ، (خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ما فى الصيام من الأسرار ، والخير المدرار ، ثم نسخ بقوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
وذلك الصيام الذي أمرتم به هو (شَهْرُ رَمَضانَ) المبارك (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) أي : ابتداء نزوله فيه. أو إلى سماء الدنيا ، حالة كونه (هُدىً لِلنَّاسِ) أي : هاديا لهم إلى طريق الوصول ، وآيات واضحات (مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) الذي يفرق بين الحق والباطل. وإن شئت قلت : فيه هدى للناس إلى مقام الإسلام ، (وَبَيِّناتٍ) ، أي : حججا واضحة تهدى إلى تحقق الإيمان ، وإلى تحقق الفرق بين الحق والباطل ، وهو ما سوى الله ، فيتحقق مقام الإحسان.
(فَمَنْ) حضر منكم فى (الشَّهْرَ) ولم يكن مسافرا (فَلْيَصُمْهُ) وجوبا ، وكان فى أول الإسلام على سبيل التخيير ؛ لأنه شق عليهم حيث لم يألفوه ، فلما ألفوه واستمروا معه ، حتّمه عليهم فى الحضور والصحة. (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً) يشق عليه الصيام ، (أَوْ عَلى) جناح (سَفَرٍ) ، بحيث شرع فيه قبل الفجر فأفطر فيه ، فعليه (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) والتخفيف ، حيث خفّف عنكم ،. وأباح الفطر فى المرض والسفر ، (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) إذ لم يجعل عليكم فى الدّين من حرج ، وإنما أمركم بالقضاء (لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) التي أمركم بها ، وهى تمام الشهر ، (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) ، أمركم بصيامه فتكبروا عند تمامه.
ووقت التكبير عند مالك : من حين يخرج إلى المصلّى ، بعد الطلوع ، إلى مجيئ الإمام إلى الصلاة. ولفظه المختار : (الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا ، اللهم اجعلنا من الشاكرين) ؛ لجمعه