إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

المؤلف :أحمد بن محمد بن عجيبة

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :603

تحمیل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

150/603
*

ولما سأل رافع بن حريملة اليهودي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يريه آية ، كتفجير ماء أو غيره ، نزل قوله تعالى :

(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨))

قلت : (أم) للإضراب بمعنى بل ؛ وهو على قسمين : إما إضراب عن المعنى السابق ، أو لفظه فقط كما هنا ، انظر تفسير ابن عطية ، وإضافة الرسول إليهم باعتبار ما فى نفس الأمر. وهو نص فى إرساله إليهم كما أرسل إلى غيرهم. والضلال : التلف. و (سَواءَ السَّبِيلِ) : وسط الطريق.

يقول الحق جل جلاله : أتريدون يا معشر اليهود أن تقترحوا على نبيكم الذي أرسلت إليكم ، وإلى كافة الخلق من غيركم الآيات ، وتسألوه أن يريكم المعجزات ، كما سألتم موسى من قبل فقلتم : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) تشغيبا وتعنتا ، وأبيتم عن الإيمان ، واستبدلتموه بالكفر والعصيان ، (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) فقد تلف عن طريق الحق والسداد ، ومأواه جهنم وبئس المهاد.

الإشارة : لا يشترط فى الولي ظهور الكرامة ، وإنما يشترط فيه كمال الاستقامة ، ولا يشترط فيه أيضا هداية الخلق على يديه ؛ إذ لم يكن ذلك للنبى فكيف يكون للولى؟ قال تعالى : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وقد سرى فى طبع العوام ما سرى فى طبع الكفار ، قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) الآية. فكثير من العوام لا يقرون الولي حتى يروا له آية أو كرامة ، مع أن الولي كلما رسخت قدمه فى المعرفة قلّ ظهور الكرامة على يديه ؛ لأن الكرامة إنما هى معونة وتأييد وزيادة إيقان. والجبل الراسى لا يحتاج إلى عماد.

والحق هو ما قاله الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضي الله عنه : (وإنهما كرامتان جامعتان محيطتان : كرامة الإيمان بمزيد الإيقان على نعت الشهود والعيان ، وكرامة العمل على السنة والمتابعة ، ومجانبة الدعاوى والمخادعة ، فمن أعطيهما ثم اشتاق إلى غيرهما فهو مفتر كذاب ، أو ذو خطأ فى العلم والفهم ، كمن أكرم بشهود الملك على نعت الرضى والكرامة ، ثم جعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخلع الرضا) أو كما قال رضي الله عنه.

وقال شيخنا رضي الله عنه : (الكرامة الحقيقية هى الأخلاق النبوية والعلوم اللدنية). فمن أنكر أولياء أهل زمانه وطلب منهم الدليل غير ما تقدم فقد ضل سواء السبيل ، وبقي مربوطا فى سجن البرهان والدليل. وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق.