و (ما) المتصلة ببئس ونعم : نكرة منصوبة على التمييز ، أي : بئس شيئا اشتروا به أنفسهم ، وهو كفرهم ، أو معرفة تامة مرفوعة على الفاعل ، أي : بئس الشيء شىء اشتروا به أنفسهم. و (اشتروا) هنا بمعنى باعوا ، كشروا على خلاف الأصل ، وقد يمكن أن يبقى على أصله ، على ما يأتى فى بيان المعنى.
و (بغيا) مفعول من أجله ليكفروا ، و (يكفرون) حال من الفاعل فى (قالوا) ، و (وراء) فى الأصل : مصدر جعل ظرفا ، ويضاف إلى الفاعل ويراد به ما يتوارى به وهو خلفه ، وإلى المفعول فيراد به ما يواريه وهو قدامه ، ولذلك عد من الأضداد ، قاله البيضاوي.
يقول الحق جل جلاله فى شأن اليهود : بئس شيئا باعوا به حظ أنفسهم ، وهو كفرهم بما أنزل الله ، أو (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) بحسب ظنهم ، فإنهم ظنوا أنهم خلّصوا أنفسهم من العذاب بما فعلوا ، وهو كفرهم بما أنزل الله على محمد نبيه صلىاللهعليهوسلم بغيا وحسدا أن يكون النبي من غيرهم ، فانقلبوا (بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) للكفر والحسد لمن هو أفضل الخلق ، أو لكفرهم بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعد عيسى عليهالسلام ، أو لتضييعهم التوراة ، وكفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) أي : يذلهم ويخزيهم فى الدنيا والآخرة ، بخلاف عذاب العاصي فإنه كفارة لذنوبه.
(وَإِذا قِيلَ) لهؤلاء اليهود : (آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) على محمد صلىاللهعليهوسلم (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) من التوراة ، وهم (يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) أي : بما سواه ، وهو القرآن ، حال كونه (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) من التوراة ومهيمنا عليه. (قُلْ) لهم يا محمد : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ) هذا الزمان ، وهو محرم عليكم فى التوراة ، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) به؟ فهذا يبطل دعواكم الإيمان بالتوراة ؛ إذ الإيمان بالكتاب يقتضى العمل به ، وإلّا كان دعوى ، وإن فعله أسلافكم فأنتم راضون به وعازمون عليه.
الإشارة : اعلم أن قاعدة تفسير أهل الإشارة هى أن كل عتاب توجه لمن ترك طريق الإيمان ، وأنكر على أهله يتوجه مثله لمن ترك طريق مقام الإحسان ، وأنكر على أهله. وكل وعيد توعد به أهل الكفران يتوعد به من ترك السلوك لمقام الإحسان ، غير أن عذاب أهل الكفر حسى بدني ، وعذاب أهل الحجاب معنوى قلبى.
فنقول فيمن رضى بعيبه وأقام على مرض قلبه وأنكر الأطباء ووجود أهل التربية : بئسما اشتروا به أنفسهم ، وهو كفرهم بما أنزل الله من الخصوصية على قلوب أوليائه بغيا وحسدا ، أو جهلا وسوء ظن ، أن ينزل الله من فضله على