سبحانه : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) (١) إلى قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) (٢) بعينها فيما تقدم بيانه.
وبذلك يظهر وجه الإلتفات من الغيبة إلى الحضور في قوله : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) ، والإلتفات من الغيبة إلى التكلّم في قوله : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا).
وبيانه أنّهم لمّا لم يعبأوا بالآيات التي أتى بها النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ وسألوا آية كان معناه استعجال العذاب ، فلمّا قال لهم النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ كما أمر به : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) ثم قال : (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) ، سقط الخطاب معهم عندئذ وانقطع الكلام ، ولذلك تصدى هو سبحانه لخطابهم شفاها لكن مع حفظ الغيبة لنفسه ، على ما يقتضيه التحرّز عن انهتاك مقام المتكلم على ما مرّ في أول السورة ، فأبقى نفسه على الغيبة أولا وجعلهم مخاطبين فقال : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) أي يأخذ نفوسكم بالليل ، (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ) أي ما اكتسبتم بالنهار ، (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) أي في النهار ، (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) أي الموت ، لأنّ أجل هذه الحياة الموت دون القيامة ، (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) أي في القيامة ، وقيل : بالموت ، (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، أي بالمجازاة بتوفيتكم أعمالكم.
(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ)
والقهر هو الغلبة بإعمال الإقتدار ، ولذا قيّد بما يدل على الإستعلاء ، كما في قوله :
__________________
(١). الأنعام (٦) : ٣٨.
(٢). الأنعام (٦) : ٣٧.