وصف وساطته بين الحقّ والخلق ؛ إذ لا حائل بينه وبين ربّه فتقبل شفاعته وينجع استغفاره ثمّ من الغيبة إلى الخطاب في قوله : (فَلا وَرَبِّكَ) ، للعود إلى الأصل بعد استيفاء الغرض من الغيبة ، ثمّ من الخطاب إلى الغيبة في قوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ). وقد مرّ وجهه ، ثمّ من الغيبة إلى الخطاب في قوله : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) ، و (ذلِكَ الْفَضْلُ) ، والوجه فيه نظير الوجه في قوله : (ذلِكَ خَيْرٌ).
وهناك نوع ثالث من الالتفات ، وهو ما كان من الحضور في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) ، إلى الغيبة في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) ، وجرى على ذلك إلى آخر الكلام. ففي الآيات ـ أعني من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) ، إلى قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) (١) ـ اثنا عشر موردا من الالتفات في ثلاثة أنواع مشتبكة متداخلة بعضها في بعض كما عرفت.
فإن قلت : النكتة في الالتفات على ما ذكره أئمّة البلاغة تنشيط السامع بصرف الكلام من وجه إلى وجه وإيقاظه عن الكسل في الاستماع. ومقتضى ذلك الاقتصار على ما يقلّ عددا ويكثر نفعا ونماء ، وإمّا الإكثار منه فيوجب تحيّر المخاطب فلا يدري من أين إلى أين يصرف ذهنه وينقل باله (٢).
قلت : ذلك على ما اختاره بعضهم من كون نفس الالتفات من مزايا الكلام (٣). وأمّا على ما اختاره آخرون من احتياجه إلى نكتة زائدة على مجرّد تحويل
__________________
(١). النساء (٤) : ٧١.
(٢). راجع : البرهان ، الزركشي ٣ : ٣٢٥ ـ ٣٢٧ ؛ مشرق الشمسين ، البهائي العاملي : ٢٨٠.
(٣). راجع : البرهان ، الزركشي ٣ : ٣٢٥ ـ ٣٢٧ ؛ مشرق الشمسين ، البهائي العاملي : ٢٨٠.