ثمّ أقول : وأمّا ولاية الله سبحانه فالذي بيّن سبحانه من آيتها وأمارتها ما في قوله : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (١) ، فقد جعل تمنّي الموت دليلا على صدق دعوى الولاية والإنسان إنّما يتمنّى ما يحبّه ، وذلك لما أخبر به في كثير من الآيات أنّ الموت لقاؤه سبحانه ، قال تعالى : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) (٢) ، وغير ذلك وأحبّ الأشياء عند المحب الوليّ لقاء محبوبه ووليّه ، وإنّما عبّر عنه بالموت لأن من يكرهه ويفرّ منه فإنّما يكرهه بهذا الإسم ولذلك كلّه أمر النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ بإلزامهم بتمني الموت ليكشف عن المحبّة التامّة ، والطاعة الكاملة التي تقوم الولاية بها ، ثم قال تعالى : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) (٣) فتمسك في نفيه الأبدي بما قدّمت أيديهم من الذنوب والسيّئات ، فإنّها موانع القلب وحجبها عن الحبّ الذي ينزل فيه ، قال تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ* كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (٤).
وإلى ذلك يشير ما في الكافي عن النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ : «من عرف الله وعظّمه منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعفا نفسه بالصيام والقيام» ، قالوا بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله هؤلاء أولياء الله؟ قال : «إنّ أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا ونظروا فكان نظرهم عبرة ، ونطقوا فكان نطقهم حكمة ،
__________________
(١). الجمعة (٦٢) : ٦ ـ ٧.
(٢). العنكبوت (٢٩) : ٥.
(٣). الجمعة (٦٢) : ٧.
(٤). المطففين (٨٣) : ١٤ ـ ١٥.