ويدلّ على ما ذكرنا أنّ مجرّد تحقق الولاية لا يوجب دورانها بين الطرفين ، قوله سبحانه حكاية عن إبراهيم مع آزر : (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا* يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) (١).
فقد كان آزر كافرا ، وكان الشيطان وليا له وهو ـ عليهالسلام ـ مع ذلك كان يخاف أن يكون ـ آزر أيضا ـ وليّا للشيطان ، والخوف إنّما يتحقّق مع الإحتمال من غير حتم لوقوع الواقعة ، فليس إلّا أنّ الكفر كما يوجب أن يكون الشيطان وليّا للكافر لا يوجب كون الكافر وليّا للشيطان إلّا بعد ثبوت الكفر في نفسه ثبوتا متعذّر الزوال أو متعسّره ، قال تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (٢).
وهي مع ذلك تفيد أولا : أنّ للمشيئة الإلهية تعلّقا ما بالولاية الشيطانية ، كما تفيده سائر الآيات التي في هذا المساق كقوله : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) (٣) ، وقوله : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٤) ، وسيجيء بيانه في الكلام على القدر.
وثانيا : إنّ ضلالهم عين إضلال الشيطان ، أي إنّ ارادتهم عين إرادته وخطورات نفوسهم هي وحي الشياطين وخفيّ كلامهم ، وقد سمّى الله سبحانه نعيم بن مسعود الأشجعي في موضعين من كلامه شيطانا ، قال سبحانه : (إِنَّما
__________________
(١). مريم (١٩) : ٤٤ ـ ٤٥.
(٢). الزخرف (٤٣) : ٣٦ ـ ٣٧.
(٣). فصلت (٤١) : ٢٥.
(٤). الاعراف (٧) : ٢٧.