اليوم يوم القيامة ، كما مرّ بيانه في سورة البقرة عند قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) (١).
وقد سكت سبحانه في قوله : (إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) ، عن كونه إيمانا نافعا أو غير نافع ، بل يستفاد من مثل قوله في اليهود : (وَلُعِنُوا بِما قالُوا) (٢) ، وقوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) : أنّ كثيرا منهم لا يؤمنون إيمانا نافعا ، وقد قال أيضا : (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) (٣).
ثمّ إنّ هذا الإيمان ليس هو الإيمان الباطل الذي للنصارى اليوم بعيسى ، فحاشا عيسى أن يظهر لهم فيؤمنوا به إيمانا ليس له بحقّ كما حكى الله تعالى عنه بقوله : (قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) (٤) ، وقال أيضا : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ) (٥).
وحاشا ساحة الحقّ سبحانه أن يسمّي ما يعدّه كفرا إيمانا ، وهو الإيمان بعيسى بعد بعثة محمّد ـ صلىاللهعليهوآله ـ وبكلّ نبيّ بعد نسخ شريعته إلّا مع الإيمان بالنبيّ اللاحق وفي ضمنه ، فقوله : (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) ، متضمّن للإيمان بمحمّد وخاصّة في زمانه ، فالمعنى ـ والله العالم ـ : ما من يهوديّ ولا نصرانيّ إلّا ليؤمننّ بعيسى ، أي بمحمّد وعيسى ـ عليهماالسلام ـ قبل أن يموت عيسى إمّا إيمانا لا ينفعه كما عند السكرات وظهور آيات الآخرة ، أو إيمانا ينفعه كما في غيره.
__________________
(١). البقرة (٢) : ٢١٠.
(٢). المائدة (٥) : ٦٤.
(٣). النحل (١٦) : ٣٧.
(٤). المائدة (٥) : ١١٦.
(٥). آل عمران (٣) : ٧٩.