وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦))
لقد سبقت الاشارة الى الميثاق في معرض تذكير الله تعالى لبني اسرائيل باخلاف موقفهم معه في ما مضى. وهنا يأتي تفصيل لبعض ذلك الذي ذكر.
لقد تضمن ميثاق الله معهم : الا تعبدوا الا الله ، وهي القاعدة الاولى للتوحيد المطلق ثم الاحسان الى الوالدين. وصلة ذي القربى واليتامى والمساكين ، وحسن المعاملة للناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واتيان الصلاة وايتاء الزكاة وهي مجموعة قواعد الاسلام.
ومن ثم تتقرر حقيقتان : الاولى هي وحدة دين الله ، وتصديق هذا الدين الاسلامي لما فيه من تصديق الانبياء والشرايع السابقة ، وحيث امتنعوا عن الدخول في الاسلام وتصديق نبيه الصادق الامين ، ولذا توجه اليهم بقوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ).
ولقد كان هذا الذي يواجههم به واقعا قريب العهد قبيل غلبة الاسلام على الانصار. وكان اليهود في المدينة ثلاثة أحياء ترتبط بعهود : بنو قينقاع. وبنو النضير. وبنو قريظة. وكان بنو النضير حلفاء الخزرج ، وبنو قريظة حلفاء الأوس.
وكان اليهود يقتل بعضهم بعضا ويخرجهم من ديارهم وهو محرم عليهم بنص شرايعهم. وهذا التناقض والانحراف هو الذي يواجههم به القرآن المجيد ، وهو يسألهم مستنكرا لأفعالهم : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).