البيان : ان هذا المنهج المتكامل يأخذ النفس البشرية من أقطارها جميعا ، ويخاطب الكينونة البشرية من مداخلها جميعا ، ويلمس أوتارها الحية كلها ، وهو يدفعها الى الطاعة ويصدها عن المعصية .. ان الهدف الاول للمنهج هو تقويم النفس البشرية وكفها عن الانحراف وما يقعها في الجرائم ، والعقوبة نتائج ملازمة للجرائم ، فمن أراد الابتعاد عن العقوبة ابتعد عن ارتكاب الجرائم والمعاصي التي تلازمها العقوبة لا محالة ، بدون اختيار فمن رمى نفسه من شاهق لزمه أن يموت بدون دافع للموت عنه ، وهكذا من شرب السم القاتل.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) ، فالخوف ينبغي أن يكون من الله ، فهذا هو الخوف اللائق بشيم العقلاء ، الذين يريدون لانفسهم الكرامة والسعادة ، والراحة والامان الدائم الخالد.
أما الخوف من السيف والسوط فهو منزلة هابطة ، لا يحتاج اليها أو لا تهتم بها الا أصحاب النفوس الهابطة المنحطة. فمن عرف الله على حقيقته يستحيل بعد أن يخشى سواه فيما يخالف أو يطلب غير رضاه. وهذا أولى وأكرم وأزكى لارباب العقول النيرة ، والبصائر المضيئة.
على أن تقوى الله عزوجل هي التي تصاحب الضمائر الحية في السر والعلن ، وهي التي تكف الشرور والمخاوف عن أربابها. ولا يبقى لدى المخلوقات أجمع سبيل عليها.
(وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) : أي اتقوا الله يعني أطيعوه واطلبوا منه الوسائل والاسباب الموصلة لكل خير وعافية وغنى وأمان وسعادة ، في الدنيا والآخرة لان ذلك بيده دون سواه.
(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، وأنى لمخلوق أن يفلح أو يرى الفلاح الا بتقوى الله وطاعته والانقطاع اليه.