ويخلص دين الله ـ بهذا العهد وبهذا التصور ـ من العصبية الذاتية ، عصبية الرسول لشخصه ، ولقومه ولاتباعه ، ويخلص الامر كله لله في هذا الدين الواحد الذي تتابع به وتوالى ذلك الموكب فيه.
والاسلام ـ الذي يتحقق في اقامة منهج الله في الارض واتباعه والخلوص له ـ هو ناموس هذا الوجود ، ولا مناص للانسان حين يبتغي سعادته وراحته وطمأنينة باله وصلاح حاله ، من الرجوع الى منهج الله في ذات نفسه وفي نظام حياته وفي منهج مجتمعه ، ليتناسق مع النظام الكوني كله.
والفطرة البشرية في أصلها متناسقة مع ناموس الكون مسلمة لربها اسلام كل شيء وكل حي فحين يخرج الانسان بنظام حياته عن ذلك الناموس ـ لا يصطدم مع الكون فحسب انما يصطدم اولا بفطرته التي بين جنبيه ، فينشق ويتمزق ـ على الرغم من جميع الانتصارات العلمية.
ان البشرية اليوم تعاني من الخواء المرير خواء الروح من الحقيقة التي لا تطيق فطرتها ان تصبر عليها .. حقيقة الايمان ، وخواء حباتها من المنهج الالهي الذي ينسق بين حركتها وحركة الكون.
ومن ثم تجد الشقاء والقلق والحيرة والاضطراب ، وتعمد الى التهرب من ذلك باستعمال الافيون والحشيش والكحولات وتدخين السجائر وقد يصل الامر الى الانتحار ، كل ذلك للتخلص مما هي فيه من الاضطراب.
وما من أحد يزور البلاد الغنية الثرية في الارض الا ويظهر له حقيقة أن هؤلاء قوم هاربون من أشباح تطاردهم هاربون من ذوات انفسهم ، وسرعان ما يتكشف ان الرخاء المادي هو تمرغ في الوحل ، ووقوع قهري في الامراض النفسية والعصبية والشذوذ والقلق وغير ذلك.