والمكابرة فيه ، حين يشعره بانه لا شيء او شيء تافه بالنسبة الى عظمة الكون ، ومخلوق ضعيف امام الكائنات الهائلة الضخمة.
ثم يستنتج هذا الاستنتاج ، حين يفرع الجملة بقاء النتيجة :
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ).
١١ / الصافات.
فكيف يكون الانسان مخلوقا من طين لازب (أي لزج) وهو بهذه السماجة يصل به الغرور الاهوج والتكبر الى أن ينكر خالق السماوات والارض؟
لماذا لا يراجع الانسان نفسه لحظات ، ليجدها ذرة تافهة بالقياس الى هذا الكون الهائل ، ويجدها ورقة في هذه الغابة الكثيفة من الاشجار.
ولكنه يفارق الغصن وينفصل عن الشجرة ليذبل ويصفر وتدوسه الاقدام فلا يرى هذه الغابة من الاشجار ويرتبط معها في الاغصان والجذور ، ويمتص الغذاء والهواء والنور والماء والاملاح ..
هذا مثال الانسان الذي ينفصل عن قافلة الحياة المتجهة الى خالقها ويبتعد عن مسيرة الكون المسبح لله الخاضع لقوانينه :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) ١٨ / سورة الحج ..
ولكنه ينسى كل هذا ويغتر بنفسه ، ويبلغ به الغرور والعنجهية ان يقول (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ، وهو ينسى أن هذه الورقة سيأتيها الخريف وتعصف بها الرياح لتحولها الى عصف مأكول.
وبهذه الطريقة تحاول الآيات أن تكسر اطواق الغرور والتكبر والعجرفة عن رقبة الانسان ، وتحطم كبرياءه ، وتجرده من أي شعور بقيمته لتصوره امام نفسه حقيرا تافها ، وهل هناك احقر من الطين والحمأ المسنون ، وأتفه من الطين اللزج.