كالبحر .. لا يدرك غوره ، ولا تفنى عجائبه ـ كما يقول النبي ص وآله ـ
ونحن نجد ان القرآن لم تنزل سوره وآياته دفعة واحدة ..
وانما نزل نجوما ، وبالتدريج والتقسيط الزمني والتدرج المرحلي .. والقرآن بنفسه شاهد على ذلك ..
وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ـ ونزلناه تنزيلا الاسراء / ١٠٦
بالاضافة الى الشواهد التاريخية على ذلك ، فان مضامين الآيات نفسها تشهد عليه ، لان بعض السور والآيات لها مضامين تناسب أول زمن البعثة ، وانطلاقة الدعوة ، وهي واقعة في أواخر القرآن كسورة العلق والنون ، وبعضها تناسب ما بعد الهجرة وأواخر عصر الرسول ، وهي واقعة في بداية القرآن كسورة البقرة وآل عمران والنساء والانفال والتوبة ..
لان الآيات والسور كانت ترتبط بالحوادث والاحداث المرحلية .. وكانت ترافق مسيرة الدعوة الاسلامية خطوة بخطوة ، وتتابع ظروف كل مرحلة وحاجة الصفوة المؤمنة فيها ، وتواجه الاحتمالات والمفاجآت التي تبرز على سطح الاحداث وتعقبها بالمواقف والاحكام المرحلية. وتزود الجماعة المؤمنة بمقومات النمو والبناء والصياغة بالوسائل الكافية لمواجهة احتمالات المرحلة الراهنة ..
وقد اعترض اعداء الرسالة على النبي ، لماذا لا ينزل القرآن عليه دفعة واحدة ، رد القرآن على اعتراضهم كما نشاهد :
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً).
فلكي يزود القرآن النبي والمسلمين بعناصر التثبيت والتحفز والاستقامة ، يتابع الظروف والاحتمالات والمواقف النفسية التي يتعرضون لها .. ليعطيهم الدعم والدفع ويقوي نفسياتهم ويحفزهم ويدفعهم للجهاد والتقدم ..