والقرآن ـ بهذا الترتيب الملحوظ ـ يشبه ألفباء اللغة .. وحروف الهجاء .. فيتمكن الراسخون في العلم ان يقوموا باستنتاج أعظم المعارف والحقائق ، بالتنسيق والربط بين شتات الآيات ومختلف العبارات والمفاهيم التي تتوزع هنا وهناك ... ويستخرجوا من القرآن الذي فيه تبيان كل شيء احكاما لمختلف جوانب الحياة ، وافكارا وقوانين تهدي للتي هي أقوم وتهدي الانسان الى صراط مستقيم.
فلو كان القرآن مكتوبا بشكل موحد ومنسق تنسيقا موضوعيا أو علميا أو فكريا .. لكان يحمل معنى واحدا مفهوما لكل أحد ولكل طبقة وجيل ، ويبقى له تفسير واحد ثابت في كل عصر .. وبذلك يفقد جدته ورونقه .. ويفقد صلاحيته ومرونته لكل عصر وجيل .. وقابليته لاستيعاب كل المستويات المتفاوتة والعقول البشرية والافهام المختلفة ..
من هنا تجد ان الامام علي (ع) وهو احد الراسخين في العلم ، يقوم باستنباط حكم عظيم من أحكام الفقه الاسلامي من خلال التنسيق بين آية وآية اخرى من القرآن ، قد تبدو ان للوهلة الاولى غير مترابطتين بل ومتباعدتين .. يستخلص من الربط العلمي بينهما حكما انقذ امرأة مظلومة من حكم الاعدام بالرجم ونزه ساحتها من تهمة الفاحشة .. لانها حملت ولدها لستة اشهر ووضعته في أقل من الفترة المعروفة ـ يومئذ ـ المقررة للحمل.
فجاء الزوج الى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب .. وهو يشك في زوجته التي وضعت ولدها لستة اشهر قبل اكمال التسعة ـ كما هو المقرر ـ فحكم عليها الخليفة باقامة حد الرجم ، وأمر برجمها لانها زانية قبل زواجها من هذا الزوج ولم يمر على زواجهما أكثر من ستة أشهر.
وهنا تدخل الامام علي عليهالسلام ليتدارك الامر وينقذ المرأة البريئة من خطر الموت ، وينقذ كرامتها من أن تهدر ظلما.